كان طالب الصف الأول سيموت إذا لم يعثر الأطباء على شخص مستعد لإنقاذه، ومر ما يقرب من عام منذ بدء البحث عن متبرع، ولم يتبق سوى شخص واحد: أخته البالغة من العمر 9 سنوات.
عرفت رين هوارد أن شقيقها، ماسايا، 7 سنوات، بحاجة إلى شيء يسمى زرع نخاع العظم، لكنها لم تفهم حقًا ما يعنيه ذلك. وبعد أن محاولة الطبيب شرح العملية لها، بادرته بالسؤال: هل ستكون مؤلمة؟ فأجابها ستكون كذلك لبضعة أيام.
كان بإمكانها الرفض، كما أخبرها الطبيب في مستشفى الأطفال في مدينة نيو أورلينز، لكنها لم تتردد، فقد شاهدت شقيقها يعاني لسنوات من مرض وراثي، لذلك قررت أن تفعل أي شيء لمساعدته من أجل أن يتحسن.
بعد ظهر أحد أيام شهر كانون الثاني (يناير)، أي قبل أسبوعين من تشخيص أول إصابة بفيروس كورونا الجديد في أمريكا، بدأ الأطباء بمناقشة موعد عملية الزرع، واتفقوا على أن تكون في 24 مارس. لقد كانت بمثابة ولادة جديدة لـ ماسايا.
كان ذلك ممكنًا فقط بسبب رين، التي لطالما ساعدت شقيقها الصغير في اللعب، كما ساعدته في تعلم الأرقام والحروف وبعض الألعاب، إضافة إلى أنهم نشروا عشرات من مقاطع الفيديو على اليوتيوب. كانوا يتشاركون الأسرار واللعب.
مرض ماسايا وبدء رحلة العلاج
لم يشكو شقيقها كثيرًا من مرضه النادر جدا، المعروف باسم متلازمة IPEX، لكن شقيقته كانت ترى ما كان يفعل المرض بأخيها؛ لقد أصبح في سن الرابعة غير قادر على المشي خطوة واحدة دون دعامات للساق، كما أنه لم يستطع الحضور أحيانا إلى مدرسته في الوقت المحدد لأن أحد الأدوية الـ 14 التي كان يأخذها جعله يتقيأ في الصباح. وعندما توقف عن اكتساب الوزن، قام الجراح بزرع منفذ في صدره مرتبط بكيس التغذية. حمله معه إلى كل مكان كان يسير إليه بحقيبة ظهر سوداء ورمادية.
لم يكن باستطاعة أي أحد أن يتنبأ متى سيودي المرض بحياته، لكنهم كانوا يعرفون بأنه سيموت إذا لم يقم بعملية زرع النخاع.
مرض IPEX الذي يصيب طفلًا واحدًا فقط من بين كل 1.6 مليون طفل، يتسبب في مهاجمة جهاز المناعة لدى الأطفال أعضاء جسمهم، ما يجعلهم عرضة لمجموعة من المشكلات الصحية الخطيرة.
بحلول الشتاء، بعد شهور من وضع كيس التغذية، بدأ ماسايا بالتحسن. شاهدت رين كيف بدأت ابتسامة شقيقها بالظهور.
بدأ ماسايا بعد ذلك ستة أيام من العلاج الكيميائي لإفساح المجال لأخذ خلايا الجذعية من أخته، وعلى الرغم من أن الأدوية جعلته بائسا، فقد فهم، حتى وهو في سن السابعة من عمره، أن هذا هو ما يجب عليه فعله للتحسن.
كانت العائلة قد سمعت عن فيروس كورونا بحلول ذلك الوقت، حيث بدأت المدارس والمتاجر بالإغلاق، لذا تم إحكام الغرفة لمنع الهواء الخارجي من التسرب إليها، وكان على كل من يزور ماسايا ارتداء قناع الوجه.
لم يتمكن الأخوة من رؤية بعضهم البعض، لكنهم كانوا يتحدثون من خلال مكالمات الفيديو عندما كانوا قادرين على ذلك، وعندما لم ينفع ذلك، كتبت له قصيدة قالت فيها: أخي الصغير، حبك سيبقى للأبد ".
في صباح يوم زرع النخاع، نهضت رين من السرير في الرابعة ولبست ملابس ملونة وزاهية، صففت شعرها، وارتدت قناع "هالو كيتي" وجلبت واحدة من دمى الدببة التي أعطاها شقيقها لها لتقوم بالعناية به أثناء غيابه.
استيقظت رين من الجراحة التي استغرقت ساعة ونشرت صورة لكيس نخاع العظم المختوم، بابتسامة واسعة وعينان متعبة. كانت العملية مؤلمة، لكنها كانت سعيدة للغاية لأن ماسايا سيحصل على النخاع. في هذه الاثناء سجل والداهما في القاعة المقابلة لغرفة شقيقها لحظة وصول تبرع أخته.
أشكرك على إنقاذ حياتي
نجحت عملية الزرع، وأعطت المستشفى ماسايا جهاز اتصال لاسلكي حتى يتمكن من الدردشة مع أخته رين، التي كانت تتعافى في غرفة قريبة، قال لها: "أشكرك على إنقاذ حياتي". وغادرت المستشفى في اليوم التالي بعد أن ودعت أخيها الذي بدأ يتحسن مع نهاية الأسبوع.
بعد يومين، اعتقدت والدته حين سمعته يعاني وهو يتنفس بأنه كان يمزح، قبل أن تدرك أنه نائم ويكافح من أجل التنفس. كان يعاني من الحمى أيضًا، وكإجراء احترازي، قرر الأطباء اختباره خوفا عليه من فيروس كورونا.
في المنزل، تعافت رين من الجراحة. هدأ الألم وانتبهت إلى النتوء الموجودة في أسفل ظهرها، حيث دخلت الإبر. كانت قد اعتادت على حضور الدروس عن بعد بحلول ذلك الوقت، لكنها كانت تشعر بالملل بدون شقيقها. كان والدها يلعب معها أحيانا، ولكن ليس بنفس طريقة أخيها.
خبر إصابة ماسايا بفيروس كورونا
كانت الفتاة في غرفة نوم والدها، وقد أنهت لتوها المدرسة الافتراضية بعد ظهر يوم 16 أبريل، عندما رن الهاتف، سمعت رين والدتها تقول: "لقد جاءت نتيجة اختباره إيجابية"، ثم شاهدت والدها وقد بدأ في البكاء.
تم فحص الجميع لمعرفة فيما إذا كان أحد آخر قد أصيب بفيروس كورونا أيضا، وجاءت النتائج سلبية، بينما لم تستطع المستشفى تقديم أي تفسير لإصابة ماسايا.
تم نقل ماسايا إلى غرفة أخرى مصممة لمنع الهواء من التسرب. انتقلت الأم معه، مدركة أن ابنها يشكل الآن خطرًا على صحتها أيضًا، في وقت استمرت أخته في تشجيعه عبر مكالمات الفيديو.
قالت له: "سيكون كل شيء على ما يرام"، لكنه لم يكن كذلك، بعد بضعة أيام، أخبر الصبي والدته أنه لا يريد إجراء المزيد من المكالمات، وسرعان ما تم نقله إلى العناية المركزة.
البحث عن حل
في منتصف أبريل، كان الأطباء في مرحلة تعلم أفضل السبل لعلاج المرضى المصابين بفيروس كورونا، وحاولوا كل ما يمكن التفكير فيه: أنبوب أكسجين، ثم قناع أكسجين؛ البلازما من الأشخاص الذين تعافوا من الفيروس، Remdesivir، ومضاد فيروسات واعد. لا شيء من ذلك يحدث فرقا. كانت رئتا ماسايا تفشلان. وكان بحاجة إلى مزيد من المساعدة.
ومع ذلك، لم يكن يريد النوم.
عاد انتباه أطبائه إلى رين، اعتقد الطبيب الذي كان يستيقظ طوال ساعات الليل للتفكير في علاجه، أن الفيروس قد دمر نخاع العظم الجديد، تاركًا الصبي دون جهاز مناعي فعال، وفكر الطبيب في أن تساعد زراعة خلايا جذعية جديدة من أخته رين.
عادت رين إلى مستشفى الأطفال في 4 مايو لإدخال منفذ في رقبتها، يشبه تمامًا المنفذ الذي رأته في رقبة شقيقها لشهور.
الخبر الذي ترك العائلة في حزن شديد
بعد الجراحة، تم نقلها إلى غرفة غسيل الكلى وتم توصيلها بآلة. وفي الثالثة صباحًا، توقف اثنان من العاملين بالمستشفى في غرفتها أثناء نومها للتحدث معها، قالوا لها: إن حالة أخيك قد تدهورت، لقد فات الأوان على مساعدته، سيموت في غضون 24 ساعة!
سرعان ما تحول اليأس إلى غضب. أدرك الأب أن كل ما تحملته ابنته كان بلا مقابل، قال للأطباء: "لا تعودوا إلى هنا.. لقد انتهت".
سألت رين: متى سنعود إلى المنزل يا أبي؟ متوقعة أن ينضم إليهم أخوها هذه المرة.
قال، وهو يضمها بين ذراعيه: "ماسايا لن يعود معنا إلى البيت"، ثم ذهبت بعد أن ارتدت وسائل الحماية إلى وحدة العناية المركزة، حيث رأت شقيقها وجها لوجه لأول مرة منذ سبعة أسابيع.
أمسكت بيد أخيها وهي تبكي ثم قبّلت جبينه. لم تعرف حينها ماذا ستقول له.. لقد أعطت شقيقها ما قال الكبار إنه بحاجة إليه لكي يتحسن ويكبرا معا.
كانت رين بحاجة إلى إزالة المنفذ الموجود في رقبتها، وحين عادت إلى غرفتها أعطاها الطبيب إبرة تخدير وهي ما زالت تبكي، وبدأت بضرب السرير، أمسكت الممرضات بذراعيها وساقيها، وأخبروها بأن كل شيء سيكون على ما يرام.. لكنها أغمضت عينيها وصرخت.
جلست رين في غرفة والدها، في نفس المكان الذي كانت فيه عندما علمت أن شقيقها مصاب بالفيروس، أخرجت بطاقات الفهرسة وقلم رصاص وبحثت عن الكلمات التي لم تجدها في ذلك اليوم في المستشفى.
الرسالة المؤثرة
كتبت رين بأحرف صغيرة مرتبة: عزيزي ماسايا، لقد كنت مصدر إلهام في حياتي، وحياة أبي وأمي، وحياة أصدقائك ومعلميك وأكثر من ذلك بكثير!! أشعر الآن وكأنني طفلة وحيدة ولكنني لست كذلك. أنا آسفة لأنك عانيت عندما كنت تحتضر في وحدة العناية المركزة. لقد أجرينا عملية زرع نخاع العظم وكانت ناجحة، ولكنك بعد ذلك التقطت فيروس كورونا.
وضعت قبلة ووجه يبكي وقلب ونجمة وصليب، وكتبت في نهايتها: أختك التي أحبتك أكثر من أي شيء في هذا العالم.
الوداع الأخير
بعد أيام، رأت جسده في تابوت كبير. كان يرتدي قميصًا أسود ... لمسته وودعته إلى الأبد.
كادت رين أن تبكي في جنازته، وهي أول جنازة تحضرها في حياتها على الإطلاق، لكنها أجبرت نفسها على عدم القيام بذلك.
قال لها الناس: أنت قوية جدًا. لذلك ظلت تبتسم وتمنع دموعها، رغم أنها عندما كانت بمفردها تساءلت عما إذا كان شقيقها سيتذكرها وهو في السماء.
واصل الأب في التساؤل عن كيفية اصابة ابنه بالفيروس، وعما إذا كان بإمكان المستشفى فعل أي شيء لحمايته منه؟ وهل كان يجب على أطبائه تأجيل الزراعة بسبب تفشي المرض؟
ابنه كان واحدًا من 133 طفلاً ماتوا بالفيروس على مستوى البلاد بين شهر مارس ومنتصف نوفمبر.
رين قالت لوالدها ذات مرة: "لم أتمكن من إنقاذه"، وكان حين يسألها عما إذا كانت على ما يرام، تبتسم وتخبره انها بخير.
في مواجهة الغياب
في أواخر أكتوبر، اجتاح إعصار "زيتا" جنوب شرق لويزيانا، تاركا آل هواردز بدون كهرباء، حيث عانوا من أسبوع صعب.
قالت رين: هذه أول عطلة بدون ماسايا، ستة شهور مرت منذ وفاته، تخلوا عن ملابسه وكل ألعابه تقريبًا، وانتقلوا إلى شقة جديدة، على أمل أن يساعدهم ذلك على نسيانه. وعندما جاء عيد الهالوين، كان كل ما يمكن أن يفكروا فيه هو ماسايا.
لأول مرة في حياته، وافق الأب على ارتداء ملابس عيد الهالوين، بينما قررت رين أن يذهبوا مثل شخصيات دكتور سوس "الشيء 1" و "الشيء 2" لأن ماسايا ارتدى هذا الزي في روضة الأطفال.
أراد والدا رين لها أن تستمتع في ذلك المساء، وأن ترتدي زيًا سخيفًا وتأكل بعض الحلويات، فيما شعر الوالدان بحزن شديد.
لعدة أشهر بعد جنازته، لم تتحدث رين عن شقيقها على الإطلاق.
خرجوا معا، وصلوا إلى كتلة مزينة بالأشباح والهياكل العظمية، ملأت رين حقيبتها بالحلويات، بعد ساعة، أعلن والدها أن الوقت قد حان للعودة إلى المنزل. وأكلت بعضا مما معها في الطريق لوحدها، دون أن يشاركها أحد.
عند وصولهم، صعدت الأم إلى الطابق العلوي، وتوجه الأب إلى المطبخ، بينما جلست الابنة في منتصف أرضية غرفة المعيشة وحيدة، ألقت الكيس وحدقت فيه. وحين عاد والدها نظرت إليه مبتسمة وقالت: أنا بخير.
مصدر القصة كاملة باللغة الانجليزية: https://wapo.st/33W69Fo