توفيت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية في قلعة بالمورال، مقر إقامتها الصيفي في اسكتلندا، عن عمر يناهز 96 عامًا، بعد أن تولت العرش لمدة 70 عاما، لتكون بذلك أطول ملوك بريطانيا حكما.
وأعلن القصر الملكي وفاة الملكة بعد يومين من تعيينها لرئيسة الوزراء ليز تروس من مقر إقامتها الصيفي خلافا للتقاليد، حيث سبق للملكة أن عينت جميع رؤساء الوزراء الـ 14 السابقين في قصر باكنغهام بلندن.
هذا وأصبح ابن الملكة إليزابيث الثانية، الأمير تشارلز البالغ من العمر 73 عامًا، ملكًا بشكل تلقائي بعد وفاتها، حاصلا على لقب الملك تشارلز الثالث، فيما ستعرف زوجة تشارلز الثانية، كاميلا، باسم الملكة.
وبثت البي بي سي النشيد الوطني "حفظ الله الملكة" مع إعلان وفاتها، وأظهرت على شاشتها صورة للملكة إليزابيث الثانية بملابس رسمية كاملة، وتم تنكيس العلم البريطاني من فوق قصر باكنغهام.
ووصف الملك تشارلز الثالث في بيان صحفي وفاة والدته بأنه "لحظة حزن كبير لي ولجميع أفراد عائلتي".
وقدم عدد كبير من قادة الدول تعازيهم للعائلة المالكة و أشادوا بالملكة.
في كندا، حيث يتولى العاهل البريطاني رئاسة الدولة، أشاد رئيس الوزراء جاستن ترودو بـ "الحكمة والرحمة والدفء".
في الهند، التي كانت ذات يوم "جوهرة التاج" للإمبراطورية البريطانية، غرد رئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي عبّر عن ألمه لموت الملكة: "لقد جسدت الكرامة والأخلاق في الحياة العامة".
كما أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية ليز تروس، التي عينتها الملكة قبل 48 ساعة فقط، أن البلاد "دمرت" ووصفت إليزابيث بأنها "الصخرة التي بنيت عليها بريطانيا الحديثة".
الملكة الراحلة إليزابيث الثانية حكمت بريطانيا منذ 6 فبراير 1952، شهدت البلاد خلاها إعادة البناء بعد الحرب وفقدان الإمبراطورية، إضافة إلى انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، حيث شكل وجودها مصدر أمان حتى بالنسبة لأولئك الذين تجاهلوا أو كرهوا النظام الملكي.
في الفترة الأخيرة من حياتها، أدى ضعفها وتقدم عمرها إلى تقليص بعض المظاهر العامة، لكن الملكة ظلت تسيطر بقوة على النظام الملكي وعلى الحياة الوطنية، حيث احتفلت بريطانيا باليوبيل البلاتيني لها مع أيام من الحفلات والمواكب في يونيو 2022.
في الشهر نفسه، أصبحت إليزابيث الثانية ثاني أطول ملوك في التاريخ، بعد الملك الفرنسي لويس الرابع عشر الذي حكم في القرن السابع عشر، وتولى العرش في سن الرابعة عشرة.
عندما كانت إليزابيث تبلغ من العمر 21 عامًا، أي قبل ما يقرب من خمس سنوات من أن تصبح ملكة، وعدت شعب بريطانيا والكومنولث بأن حياتها كلها، سواء كانت طويلة أو قصيرة، ستكون مكرسة لخدمة الشعب، وهو وعد حافظت عليه على مدى أكثر من سبعة عقود.
وعلى الرغم من العلاقات المعقدة والمليئة بالمشاكل التي تربط بريطانيا بمستعمراتها السابقة، إلا أن إليزابيث كانت تحظى باحترام واسع، وظلت على رأس أكثر من اثنتي عشرة دولة، من كندا إلى توفالو، فيما ترأست الكومنولث الذي يضم 54 دولة، الذي تم بناؤه حول بريطانيا ومستعمراتها السابقة.
تزوجت إليزابيث لأكثر من 73 عامًا من الأمير فيليب، الذي توفي في عام 2021 عن عمر يناهز 99 عامًا، وكانت الأم لعائلة ملكية كانت مشاكلها موضع إعجاب عالمي - تضخمت من خلال روايات خيالية مثل المسلسل التلفزيوني "التاج".
لدى الملكة أربعة أطفال وثمانية أحفاد و 12 من أبناء الأحفاد.
من خلال عدد لا يحصى من الأحداث العامة، ربما قابلت أشخاصًا أكثر من أي شخص آخر في التاريخ، وكانت صورتها التي تزين الطوابع والعملات المعدنية والأوراق النقدية، من بين الصور الأكثر استنساخًا في العالم.
ولدت إليزابيث ألكسندرا ماري وندسور في لندن في 21 أبريل 1926، وهي الطفلة الأولى لدوق ودوقة يورك. لم تولد لتكون ملكة، فقد كان الشقيق الأكبر لوالدها، الأمير إدوارد، على موعد مع التاج، ليتبعه في تولي العرش أبناؤه. ولكن في عام 1936، عندما كانت في العاشرة من عمرها، تنازل إدوارد الثامن عن العرش ليتزوج الأمريكية المطلقة مرتين واليس سيمبسون، وأصبح والد إليزابيث الملك جورج السادس.
كانت إليزابيث بالكاد في سن المراهقة عندما خاضت بريطانيا الحرب مع ألمانيا في عام 1939.
وبينما أقام الملك والملكة في قصر باكنغهام خلال الحرب، وقاموا بجولة في الأحياء التي تعرضت للقصف في لندن، أمضت إليزابيث ومارجريت معظم الحرب في قلعة وندسور، غرب العاصمة. حتى هناك، سقطت 300 قنبلة في حديقة مجاورة، وقضت الأميرات العديد من الليالي في ملجأ تحت الأرض.
بصفتها الأميرة إليزابيث، قامت بأول بث عام لها في عام 1940 عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها، حيث أرسلت رسالة في زمن الحرب إلى الأطفال الذين تم إجلاؤهم إلى الريف أو في الخارج.
قالت آنذاك: "نحن الأطفال في المنزل نتمتع بالبهجة والشجاعة". مضيفة "نحاول أن نفعل كل ما في وسعنا لمساعدة الجنود الشجعان والبحارة والطيارين. ونحاول أيضًا أن نتحمل نصيبنا من خطر الحرب وحزنها. نحن نعلم، كل واحد منا، أنه في النهاية سيكون كل شيء على ما يرام".
في عام 1945، بعد شهور من الحملات للحصول على إذن والديها للقيام بشيء من أجل المجهود الحربي، أصبح وريث العرش التابع الثاني إليزابيث ألكسندرا ماري وندسور في الخدمة الإقليمية المساعدة. لقد تعلمت بحماس قيادة وخدمة المركبات الثقيلة.
في الليلة التي انتهت فيها الحرب في أوروبا، 8 مايو 1945، تمكنت هي ومارجريت من الاختلاط، غير المعترف بهما، مع الحشود المحتفلين في لندن، حيث اجتاحت موجة من السعادة والراحة، وكما قالت لبي بي سي بعد عقود، واصفة إنها "واحدة من أكثر ليالي حياتي التي لا تنسى".
في نوفمبر 1947 تزوجت من ضابط البحرية الملكية فيليب مونتباتن، أمير اليونان والدنمارك الذي التقت به لأول مرة في عام 1939 عندما كانت تبلغ من العمر 13 عامًا، لم يتم الإعلان عن عطلة عامة، لكن العروس سمحت بـ 100 كوبون إضافي مقابل حصتها.
عاش الزوجان لفترة في مالطا، حيث كان يتمركز فيليب، وتمتعت إليزابيث بحياة شبه طبيعية كزوجة في البحرية.
ولد الأمير تشارلز، أول أبنائهما الأربعة، في 14 نوفمبر 1948، وتبعته الأميرة آن في 15 أغسطس 1950، والأمير أندرو في 19 فبراير 1960، والأمير إدوارد في 10 مارس 1964.
في فبراير 1952، توفي جورج السادس أثناء نومه عن عمر يناهز 56 عامًا بعد سنوات من اعتلال صحته. تم إخبار إليزابيث، في زيارة إلى كينيا، أنها أصبحت الآن ملكة.
تم تتويجها بعد أكثر من عام، وهو مشهد رائع في وستمنستر أبي شاهده الملايين من خلال وسيلة التلفزيون التي كانت جديدة في ذلك الوقت.
كان أول رد فعل لرئيس الوزراء ونستون تشرشل على وفاة الملك هو الشكوى من أن الملكة الجديدة كانت "مجرد طفلة"، ولكنه أصبح في غضون أيام معجبًا فيها ومتحمسا لها.
في النظام الملكي الدستوري في بريطانيا، الملكة هي رأس الدولة ولكنها تتمتع بسلطة مباشرة قليلة. في تصرفاتها الرسمية تقوم بما تأمر به الحكومة. ومع ذلك، لم يكن لها تأثير.
وبحسب ما ورد علقت ذات مرة بأنه لا يوجد شيء يمكنها القيام به قانونيًا لمنع تعيين الأسقف، "لكن يمكنني دائمًا أن أقول إنني أود الحصول على مزيد من المعلومات. هذا مؤشر على أن رئيس الوزراء لن يفوتهم".
أثار مدى النفوذ السياسي للملك في بعض الأحيان تكهنات - ولكن لم يكن هناك الكثير من الانتقادات بينما كانت إليزابيث على قيد الحياة. قد تكون آراء تشارلز، الذي عبر عن آراء قوية حول كل شيء من الهندسة المعمارية إلى البيئة، أكثر إثارة للجدل.
كانت مجبرة على مقابلة رئيس الوزراء أسبوعياً، وكان الاستثناء الوحيد المحتمل هو مارجريت تاتشر، التي قيل إن علاقاتها معها كانت رائعة، إن لم تكن فاترة، على الرغم من عدم تعليق أي منهما.
أصبحت آراء الملكة في تلك الاجتماعات الخاصة موضوعًا لتكهنات مكثفة وأرضًا خصبة للمسرحيين مثل بيتر مورغان، مؤلف مسرحية "الجمهور" والمسلسل التلفزيوني الناجح "التاج". كانت تلك الروايات شبه الخيالية نتاج عصر أصبحت مشاكل العائلة المالكة ملكية عامة.
وكان هناك الكثير من المشاكل داخل الأسرة، وهي مؤسسة تُعرف باسم "The Firm". في السنوات الأولى لتولي إليزابيث العرش، أثارت الأميرة مارجريت جدلًا وطنيًا من خلال علاقتها الرومانسية مع رجل مطلق.
في ما أطلقت عليه الملكة اسم "العام المروع" لعام 1992، انفصلت ابنتها الأميرة آن، وانفصل الأمير تشارلز والأميرة ديانا، وكذلك الأمير أندرو وزوجته سارة. كان ذلك أيضًا عام قلعة وندسور، وهو مكان تفضله كثيرًا.
الأميرة ديانا قالت عن الانقسام العلني مع تشارلز وعلاقة زوجها بكاميلا باركر بولز: "كان هناك ثلاثة منا في هذا الزواج"، وبعد فترة صدم الناس بوفاة ديانا في حادث سيارة في باريس عام 1997، وبدت بعدها الملكة غير منسجمة مع شعبها.
ووسط حداد عام غير مسبوق، بدا أن إليزابيث فشلت في التعبير عن الحزن لوفاة الأميرة، بعد عدة أيام، ألقت أخيرًا خطابًا متلفزًا للأمة، لكن شعبيتها انخفضت لمدة قصيرة.
وعلى الرغم من كونها واحدة من أغنى أثرياء العالم، إلا أن إليزابيث كانت تتمتع بسمعة طيبة في التقشف والحس السليم. وهي امرأة ريفية كانت تُعرف باسم الملكة التي أطفأت الأنوار في الغرف الفارغة.
في اليوبيل الذهبي لها في عام 2002، قالت إن بإمكان البلاد "النظر إلى الوراء بفخر عبر تاريخ الخمسين عامًا الماضية".
قالت في خطاب لها: "لقد كانت 50 عامًا رائعة جدًا بكل المقاييس"، وأضافت "مررنا بفترات صعود وهبوط، ولكن أي شخص يمكنه تذكر ما كانت عليه الأمور بعد تلك السنوات الست الطويلة من الحرب، حيث يمنه تقدير التغييرات الهائلة التي تم تحقيقها منذ ذلك الحين."
وبوجودها المطمئن في الداخل، كانت أيضًا رمزًا لبريطانيا في الخارج، وشكلا من أشكال القوة الناعمة، حظيت باحترام مستمر بصرف النظر عن تقلبات القادة السياسيين في البلاد وعلى المستوى العالمي.
في عام 2015، تفوقت على حُكم جدتها الكبرى الملكة فيكتوريا لمدة 63 عامًا وسبعة أشهر ويومين لتصبح الملك الأطول خدمة في تاريخ بريطانيا، على الرغم من أن الأمير تشارلز وابنها الأكبر، الأمير وليام، استولوا بشكل متزايد على المناسبات الرسمية التي تشكل الجزء الأكبر من الواجبات الملكية.
كانت خسارة فيليب في عام 2021 بمثابة ضربة قوية لها، حيث جلست بمفردها في جنازته في الكنيسة الصغيرة في قلعة وندسور بسبب قيود فيروس كورونا.
ابتعد الأمير هاري، حفيد الملكة، عن بريطانيا وعن واجباته الملكية بعد زواجه من الممثلة الأمريكية ميغان ماركل في عام 2018. وزعم في مقابلة أن بعض أفراد العائلة - دون الإشارة للملكة بشكل واضح - كانوا أقل ترحيبًا بزوجته.
الملكة إليزابيث الثانية تمتعت بصحة جيدة على الرغم من تجاوزها سن التسعين، لكنها استخدمت عصا بعد وفاة فيليب. في أكتوبر 2021، أمضت ليلة في أحد مستشفيات لندن لإجراء الاختبارات بعد إلغاء رحلة إلى أيرلندا الشمالية.
بعد بضعة أشهر، أخبرت الضيوف في حفل استقبال "كما ترون، لا يمكنني التحرك"، حينها لم يتطرق القصر إلى التفاصيل، ولم يقل إن الملكة كانت تعاني من "مشكلات عرضية في الحركة".
الملكة عقدت اجتماعات افتراضية مع دبلوماسيين وسياسيين من قلعة وندسور، لكن المظاهر العامة التي كانت تظهر فيها أصبحت نادرة.
في أبريل 2020، مع إغلاق البلاد بسبب القيود التي فرضها وباء كورونا ودخول رئيس الوزراء بوريس جونسون المستشفى بسبب الفيروس، نشرت فيديو حثت من خلاله الناس على البقاء معًا.
لقد رحلت إليزابيث الثانية، أطول ملوك بريطانيا وثاني أطول ملوك في التاريخ.
* نقلا عن AP بتصرف.
