أظهرت نماذج التوقعات لمعهد القياسات الصحية والتقييم (IHME) في كلية الطب بجامعة واشنطن في سياتل ارتفاعاً حاداً في عدد الوفيات المتوقعة في الأردن بسبب فيروس كورونا، قد تصل إلى 5,593 وفاة بحلول نهاية هذا العام، أي بارتفاع يقدر بـأكثر من 6 أضعاف الرقم الذي توقعه المعهد ذاته في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر، استنادا للحالة الوبائية في الأردن آنذاك.
بحسب المعهد المشار إليه، فالسيناريوهات المتوقع حدوثها في الأردن تنذر بكارثة صحية تفوق الكارثة الصحية التي حدثت في إيطاليا ونيويورك ومناطق أخرى من العالم، تتراوح بين ثلاثة سيناريوهات:
السيناريو الأول، أسوأ حالة: حدوث 7,477 حالة وفاة بحلول نهاية عام 2020، وتحدث في حالة عدم فرض تدابير السلامة على السكان أو التزام الناس بها، وليس من المستبعد حدوثة بالنظر إلى أعداد التجمعات التي شوهدت خلال العملية الانتخابية وبعض السلوكات السالبة الظاهرة للعيان من قبل بعض المواطنين.
تقول إحدى الحقائق العلمية المتعلقة بفيروس كورونا، إن كل شخص مصاب ينقل العدوى إلى 2-3 أشخاص كل 6 أيام، ما يؤكد التوقعات التي تفيد بحدوث ارتفاع كبير في الأسبوعين المقبلين بسبب الاختلاط المشار إليه.
السيناريو الثاني، أفضل حالة: حدوث 4,833 حالة وفاة بحلول نهاية عام 2020، وتصل إلى هذا الحد مع فرض تدابير صارمة مثل التباعد الاجتماعي وارتداء اقنعة الوجه (الكمامات). مع الإشارة إلى أن المعهد يفترض قيام الدول بأخذ هذه التدابير إذا بلغت أعداد الوفيات 8 وفيات لكل مليون نسمة من السكان، وهو ما لم تفعله الأردن حتى الآن على الرغم من تسجيلها 122 وفاة لكل مليون نسمة، لذا يبدو من الصعب البقاء ضمن هذا السيناريو.
إضافة إلى إن هذا السيناريو يفترض مستوى التزام كبير من قبل الناس بارتداء اقنعة الوجه يصل إلى نسبة 95٪ كما فعلت دولة مثل سنغافورة.
أما السيناريو الثالث، الأكثر احتمالاً: حدوث 5,593 حالة وفاة بحلول نهاية عام 2020، على افتراض معدل متوسط في استخدام أقنعة الوجه والتزام غير عام في التباعد الاجتماعي، وهو سيناريو مخيف وصعب، لكنه يبدو أقرب إلى الحدوث.
حقيقة علمية أخرى
فترة حضانة فيروس كورونا (أي الوقت بين التقاط الفيروس وبدء ظهور الأعراض) هو 5 أيام تقريبًا، ويبلغ نطاقه من 1 إلى 14 يومًا أو أكثر، مع الإشارة إلى أن نحو 97.5٪ من الأشخاص ستظهر عليهم الأعراض في غضون 11 يومًا، بينما يمكن أن ينشر الشخص المصاب الفيروس لمدة تتراوح بين 2-3 أسابيع، حتى لو لم تظهر عليه أعراض.
وضع الأردن الحالي: هل تُقرأ الأرقام مجردة كما هي؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى أن إجمالي عدد الإصابات في الأردن بلغ يوم السبت الموافق 14 نوفمبر 141,305 حالة، مع 1,704 وفاة، إلا أن الرقم الذي يجب أن يثير اهتمام الجميع هو عدد الأشخاص الذين لم يتعافوا من المرض بعد، ويقدر بأكثر من 129 ألف شخص، 455 منهم في حالة حرجة.
ماذا عن الذروة؟
تظهر نماذج التوقعات أن ذروة الوفيات المحتلمة في الأردن ستكون في الأسبوع الأول من ديسمبر، تصل أعداد الوفيات اليومية فيها إلى 116 حالة، لكنها مرجحة، بحسب سيناريو آخر، للارتفاع إلى نحو 147 وفاة مع تأخر حدوث الذروة إلى الأسبوع الثالث من الشهر ذاته استنادا إلى زيادة الحالات الحرجة المبلغ عنها خلال الأيام الماضية، فضلا عن أن المعلومات تشير إلى بلوغ مستشفيات الأردن حدود طاقتها الاستيعابية العليا، في ظل تجاوزات كبيرة مرتبطة بالتجمعات الاجتماعية التي لا يفترض أن تحدث في حالات انتشار الأوبئة.
الحقيقة الصادمة
الحقيقة التي لا برغب أحد بإعلانها او الحديث عنها، هي أن عدد الإصابات المتوقع قد يصل إلى نحو 67 ألف إصابة يومية تشمل أولئك الذين لم يقوموا بالفحص لأسباب عديدة، وإذا تأخرت (وهو مرجح ) إلى الأسبوع الأول من شهر ديسمبر فسيصل المعدل إلى 82 ألف إصابة يومية.
لماذا أصدرت الدول قرارات وأوامر صارمة في بداية الوباء؟
الجواب يرتبط بمسألتين أساسيتين، وهما: غموض الفيروس في البداية، والموارد الصحية المتاحة في الدول.
في بدايات الوباء، أصدرت الدول قرارات صارمة تراوحت بين أوامر البقاء في البيوت وإغلاق القطاعات النشطة بشكل تام، مستهدفة تحقيق مبدأ أساسي من مبادئ التعامل مع الأوبئة وهو: تسطيح المنحنى، الذي يحول دول انهيار القطاع الصحي ووصوله إلى وضع يحتاج فيه إلى أخذ قرارات صعبة تتعلق بالموت والحياة.
في المقابل، بدأ الأردن بإغلاق كافة مرافق الحياة بقرارات صارمة، أجل فيه الوباء دون أن يستغل هذه الفترة في إجراء تغيير ملموس في بنية نظام الصحة العامة، من حيث سعة المستشفيات وقدراتها التي تشمل عدد الأسرة ووحدات العناية المركزة وأجهزة التنفس الاصطناعي وغيرها. كما أنها لم تنجح في تسطيح المنحى، واكتفت بالتركيز على اجراء الانتخابات، وتوجيه رسائل إعلامية مربكة، وإصدار قرارات مخالفة لكل القناعات العلمية.
الجانب الأكثر غموضا في الحالة الوبائية في الأردن
تشير التصريحات الرسمية لمجموعة من المسؤولين الأردنيين إلى تناقض في الأرقام والبيانات الخاصة بقدرات النظام الصحي، مع عدم وجود مرجع رسمي واضح للحصول منه على هذه البيانات، على الرغم من ادعاء مبدأ الشفافية والكشف عن المعلومات!
أما بيانات النظام الصحي بحسب نماذج المعهد المذكور، فإنها تشير إلى حاجة الأردن الملحة إلى 13 ألف سرير في المستشفيات في فترة الذروة، في حين أن المتوفر منها لا يتعدى في أحسن الأحوال 5,788 سريرا.
كما تظهر البيانات حاجة الأردن إلى 5,264 سريرا في وحدات العناية المركزة في فترة الذروة، بينما لا تتوفر لديه سوى 284 سريرا، إضافة إلى العجز الكبير في أجهزة التنفس الصناعي التي سيحتاج إليها الأردن وتبلغ 4,370 جهازا.
ماذا بعد؟
إن المبدأ الأساسي في التعامل مع الأوبئة يقتضي المحافظة على أكبر عدد ممكن من أرواح المواطنين، بصرف النظر عن أي اعتبارات سياسية أو اقتصادية، وهذا لن يتم في ظل الاستمرار في الأساليب المعمول بها حاليا في التعامل مع الحالة الوبائية في الأردن.
الوباء لن يزول من حياتنا، والفيروس سيبقى معنا للأبد، أما خطره فسيظل قائما إلى حين حصول 70٪ من السكان على اللقاح أو إصابتهم بالعدوى، لذا فالمشوار طويل جدا، ويتطلب من الحكومة التدبير والحزم ومن الناس الالتزام بتدابير السلامة العامة.
هل آن أوان الكي؟
نعم. ولن يتم ذلك دون حظر شامل لمدة لا تقل عن 3 أسابيع، يسمح للناس خلالها بالمشي، وللقطاعات الأساسية بالعمل: كالمخابز والصيدليات، والمرافق التي يؤثر إغلاقها على حياة الناس اليومية، إضافة إلى تنفيذ خطة وطنية عاجلة تشارك فيها كل مؤسسات المجتمع المدني (نقابات، أحزاب، جمعيات، صناديق وطنية ...)، لتوفير متطلبات وحاجات الأسر الفقيرة أو المتضررة من الإغلاق، مع عدم اغفال خيارات اللجوء للمجتمع الدولي ومنظماته للمساهمة في تقليل المخاطر المتوقعة.
المعادلة المتوازنة تحد من الاختلاط وتديم الاقتصاد والحياة وتوازن بين مصلحة الفرد والمجتمع والدولة... والأهم من ذلك هو بذل الحكومة لأقصى طاقات عملها من أجل المحافظة على حياة الناس وتجنب الدخول في أسابيع وشهور مؤلمة، ولن يتم ذلك دون تحمل المواطن مسؤولياته الوطنية في الالتزام من أجل الصالح العام.
يشار إلى أن معهد القياسات الصحية والتقييم (IHME) هو معهد بحثي يعمل في مجال إحصاءات الصحة العالمية، يُجري أبحاث ويدرب علماء وصناع السياسات والجمهور على مفاهيم المقاييس الصحية، وتشمل مهمته الحكم على فعالية المبادرات الصحية والأنظمة الصحية الوطنية في العالم.
المصادر:
https://covid19.healthdata.org/jordan?view=daily-deaths&tab=trend