اذا كان العرب قد قالوا: الدم بالدم والهدم بالهدم فالاولى أن يقال اليوم: العلم بالعلم.
التطعيم ضد الامراض المعدية معروف ومعمول به منذ أكثر من مائتي عام. ان الصور التاريخية للدكتور جوناس سالك وهو يحمل قوارير اللقاح ضد شلل الاطفال عام 1955 كانت صورا لانتصار العلم على الوباء. ولقد ساهم الدكتور موريس هيلمان في اكتشاف وتطوير ثمانية لقاحات من المستخدمة حاليا مثل النكاف والحصبة والتهاب السحايا، بل يحسب للدكتور هيلمان ان مطعوم الحصبة ينقذ مليون حياة سنويا (ألف ألف حياة سنويا)!
ان استحداث المطاعيم هو جزء من العلوم الطبية: فاذا كان أول اختراع للانسان الأول ساكن الكهوف هو العجلة، فان هذه العجلة ظلت تتدحرج الى أن وصلت الى محطة الفضاء الدولية. و كذلك اللقاحات والادوية بشكل عام بدأت بملاحظات بسيطة حتى وصلت الى هندسة الجينات.
كان مرض السل (التدرن) قاتلا 100% قبل اكتشاف الأدوية المضادة له في اربعينات القرن الماضي، بعد استخدام الأدوية أصبح شافيا 100%، وبعد استخدام اللقاح أصبحت الاصابة به نادرة جدا (عدا مع مرض الايدز في الثمانينات).
ان الدليل العلمي التاريخي لا يحتمل الجدال لأنه قد حصل وانتهى. ولكن المخاوف من المطعوم الذي يحتوي على RNA الذي أصبح الكل يعلم عنه ويفتي فيه. لتبسيط الامر: اذا اعتبرت ان المادة الوراثية للانسان هي كتاب مصنوع من مادة الجينات الاصلية وهي DNA وعدد صفحات هذا الكتاب مائة ألف صفحة مثلا، فان مطعوم RNA هو صورة لجزء من سطر في هذا الكتاب. ان هذه الصورة الصغيرة جدا لن تظهر داخل هذا الكتاب الضخم والأصيل.
من المعقول تخوف الناس من الجديد خاصة اذا صاحبته الشكوك والمخاوف. لكن ان يكون مصدر هذه المخاوف ممن لديهم القدرة على التقصي والبحث العلمي فهي تحتاج نظرة تروي وعمل مفيد. اما ان يشكك في هذه الامور العلمية من يسمون زورا و بهتانا (فنانين و فنانات) فهو الجهل عينه متجسما متحدثا مغثيا.
لا داعي للقلق من تكذيب العلماء فان الناس قد كذبوا الانبياء من قبل وسألوهم الدلائل والمعجزات "فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة".
الدكتور علي جاد عبد الوهاب
استشاري الجراحة العامة وجراحة الأورام - كلية الطب – جامعة مؤتة