من أطلق على سيدة الغناء العربي أم كلثوم لقب كوكب الشرق ظلمها، وظلم عظمتها الفنية النادرة والتي قلما يجود بها الزمان والمكان، ذلك الشرق التعيس المنكوب منذ أطلقوا عليه الشرق الأوسط وهو في الحقيقة الأتعس...
قصة إطلاق لقب كوكب الشرق على سيدة الغناء والطرب والفن تعود إلى سيدة من مدينة حيفا في فلسطين - المنكوبة بالشرق الأوسط - وذلك عام 1946، وكانت حيفا في ذلك الوقت مشروع مدينة عامرة ثقافيًا واقتصاديًا، ومركز استقطاب في عموم فلسطين، وكانت مشروع مدينة متطورة جدًا في جوانب مختلفة؛ خاصة في الجانب الثقافي.
وممن عرض على مسارحها عميد المسرح العربي يوسف وهبي وفرقة رمسيس، واحتضنت وقتها حفلات غنائية لنجوم الطرب، وعلى رأسهم السيدة أم كلثوم، والتي نالت (للأسف) لقب كوكب الشرق من فلسطين، وفي مدينة حيفا بالذات، ومن باب الأسى أن يطلقوا على أم كلثوم لقب كوكب الشرق من المكان الذي أصبح بعد ذلك رمزًا لنكبة الشرق الأوسط كله.. وكان ذلك على خشبة مسرح الانشراح المشهور في حيفا.
كان من بين جمهور حفل أم كلثوم سيدة مٌسنة اسمها (أم داوود) الفلسطينية وتحولت إلى لاجئة في مخيم اليرموك وتوفت في الشتات بعد ذلك.. هي التي أطلقت لقب كوكب الشرق على أم كلثوم في أثناء حضورها حفلا ل أم كلثوم في حيفا عام 1946 م. طبعًا حيفا اليوم، وأيضًا الشرق الذي أصبحت أم كلثوم كوكبه، بدون حول منها ولا قوة سوى فنها العظيم الذي أطرب ومازال يُطرب الملايين حول العالم..
حيفا اليوم لم تعد كما كانت ولا الشرق الأوسط.. لم يعد الشرق كما كان، ولا حيفا ولا فلسطين ولا العالم العربي كله.. أما أم كلثوم فمازالت تُطرب الملايين من العرب حتى الآن..
وعن خفة ظل أم كلثوم فحدث ولا حرج.. ولم ينج أحد من رموز الفن والثقافة والصحافة من "إفيهاتها" وخفة ظلها وحضور ذهنها، وهو ما يحتاج إلى عدة مقالات؛ ولكن على سبيل المثال وليس الحصر: قامت مرة بتعريف ضيوفها لبعضهم إلى بعض، وعندما وصلت إلى جار لها كان موجودًا وقالت: وحضرته يبقى جارسومة (يعني جرثومة) وكانت تفعل الخير بأشكاله، وعندما طلبوا منها مساعدة أحد الفقراء قائلين إنه لازم نعول أبوه.. فقالت ضاحكة طبعا "منعول أبوه".
في إحدى المرات كان معها الملحن والعازف العظيم القصبجي في القطار، فأخرج قلمًا أسود، وأخذ يصبغ شنبه فقالت: شوفوا الراجل رجع شبابه بجرة قلم.. وفي إحدى المرات حضرت حفل زفاف بصحبة الشاعر أحمد رامي وقام أحد المدعوين بمحاولة الغناء، وكان صوته بشعًا وقبيحًا للغاية، فأدار رامي ظهره للمغني من النفور.. فابتسمت أم كلثوم وقالت لرامي: اتعدل يا رامي لحسن الغنا يجي في ظهرك..
في الأربعينيات كانت تحضر مباراة كرة قدم، وكان يجلس بجوارها أحد الباشوات، وكان قصيرًا وضئيل الجسم جدًا، وبالصدفة فتحت أم كلثوم شنطة يدها لتخرج منديلا، ومن الفضول نظر الباشا في الحقيبة بشكل مستفز.. فقالت له أم كلثوم: حاسب يا باشا أحسن تقع فيها..
ومن المواقف الطريفة أيضًا ما جاء على لسانها.. وهو موقف طريف حصل معها في إحدى حفلاتها التي أقامتها نقابة المحامين، وهو ما حدث على المسرح كان الأستاذ الفونس نيقولا نقيب المحامين عن دمياط، وكان يجلس في منتصف الصف الأول أمام المسرح، وبعد أن فٌتحت الستارة ووقفت أمام التخت تحيي الجمهور - كعادتها دائمًا في حفلاتها - ووقف الأستاذ نيقولا مقتربًا من المسرح وهو يصفق بشدة، وكانت الأضواء الكاشفة تضيء أم كلثوم ، وينعكس ظلالها على الأستاذ الفونس والذي وقف شعره الأبيض ووجهه الأحمر يصفق بحرارة شديدة بشكل متواصل برغم أن الجمهور كله صمت وكف عن التصفيق وبدأ العزف، ولم يتوقف الفونس عن التصفيق .. فأرادت أم كلثوم أن تعيده إلى كرسيه قبل بداية الغناء فنظرت إليه باسمة وقالت له: "اقعد يا أحمر محامي" وضجت بعدها الصالة بالضحك والتصفيق..
وأيضا في إحدى حفلاتها وهي تردد "متغلبناش متحيرناش" اقترب واحد من الجمهور من المسرح، وأخذ يٌلح عليها أن تعيد الكوبليه مرة أخرى.. فانحنت إليه وهي تردد نفس المقطع من الأغنية: متغلبناش.. متتعبناش.. فضج الجمهور بالضحك والتصفيق أيضًا..