الصورة
Gaza City, May 12.Credit...Khalil Hamra/Associated Press

Gaza City, May 12.Credit...Khalil Hamra/Associated Press

طفلي يسأل: "هل تستطيع إسرائيل تدمير بنايتنا إذا انقطعت الكهرباء؟"

القصة نقلا عن النيويورك تايمز، بقلم الدكتور رأفت العرير*، نقلها وحررها إلى العربية عبدالله المبيضين

تل الهوى، قطاع غزة - تجمعنا أنا وزوجتي وأطفالنا الستة ليلة الثلاثاء في غرفة المعيشة في شقتنا، وهو المكان الأقل احتمالا للتعرض لضربة طائشة من الصواريخ الإسرائيلية أو حطامها الذي تنثره. كنا نشاهد البث المباشر لقناة الجزيرة لتدمير الطائرات الحربية الإسرائيلية الوشيك لبرج الجوهرة، أحد أكبر المباني في غزة، حينما انقطع التيار الكهربائي.

لينا، البالغة من العمر 8 سنوات، أو بالنسبة إلى غزة، عمرها حربان، تساءلت بخجل عما إذا كانوا "هم" ما زالوا قادرين على تدمير بنايتنا الآن حيث انقطعت الكهرباء.

اليوم التالي، الأربعاء، سيكون عيد ميلاد ابنتي أمل. ستبلغ السادسة من عمرها، وقد اعتادت في العامين الماضيين قضاء ستة أشهر في ترقب عيد ميلادها القادم والتخطيط له، وتقضي الستة أشهر التالية وهي تتذكر الاحتفال. إنها أكثر هدوءًا من أختها لينا، وما تزال ساذجة قليلاً بشأن العالم من حولها. أتمنى لو كانت أكثر سذاجة.

عندما استيقظت أمل يوم الأربعاء، لم تطلب كعكة عيد ميلادها أو شموع. لقد عرفت أن الوضع ليس على ما يرام. استشعرت الخوف داخل المنزل. كانت تسمع أصوات القصف المستمر.

أصرت زوجتي نُسيبة على الاحتفال على أي حال. قالت "يجب أن يكون في هذا اليوم أمل". على الرغم من فقدان عشرات العائلات لمنازلهم في غزة خلال الأيام القليلة الماضية، ووفاة العشرات، وأن هذا ليس وقتا مناسبا للاحتفال أو الكعك. "لكن لا يمكننا الاستسلام لإسرائيل"، كما تقول. 

تسللتُ إلى خارج المنزل، مع الحرص على عدم ارتداء الكمامة الواقية من كورونا، خوفا من استهدافي من الطائرات الإسرائيلية من دون طيار، على اعتبار أنني هدف يحاول الاختباء.

اشتريت لأمل أصنافها المفضلة: مُلبس على لوز وبسكويت بالشوكولاتة. حين عدت تمكنا من تقديم أداء خافت لأغنية "سنة حلوة -عيد ميلاد سعيد"، أقل صخبا مما كنا نغنيه عادةً. ابتسمت أمل بتردد. نظرت إليها ووعدتها باصطحابها للحصول على أكبر كعكة بعد انتهاء "هذا الأمر".

يوم الإثنين، وبعد أن فوجئت بالهجمات، لم أحكي لأطفالي قصصاً قبل النوم كالمعتاد. لقد كان خطأ سأحاول عدم تكراره.

بدأت منذ ذلك الحين في تعديل القصص بسبب التفجيرات. في النسخة الأصلية من إحدى الحكايات التي اختلقتها للأطفال، تموت قطتان من الإهمال لأن مالكهما مستهتر. الآن أقول إن القطط تنتمي إلى فتاة صغيرة تدعى أمول وهم يمرضون فقط، ويعودون إلى صحتهم لأن أمول طيبة القلب وحنونة. 

كما هو معتاد في غزة، عندما ينهي الآباء رواية قصة لأطفالهم، نختمها بهذه القافية: "توتا توتا، خلصت الحدوتة. حلوة والا ملتوتة؟"، بمعنى أن القصة انتهت. هل كانت جميلة أم لا؟ عادة ما يردّ الأطفال بالصياح، "ملتوتة!" - بمعنى أنها "ليست حلوة" في إشارة منهم إلى الرغبة في الاستماع لقصة أخرى أحلى. 

يوم الثلاثاء، عندما طرحت السؤال، ردت لينا وأمل بقلق وفي توافق تام "حلوة". لا أكثر.

معظم سكان غزة الذين أعرفهم لم يحصلوا على قسط كاف من الراحة منذ بداية الأسبوع. وكما كتب صديقي حسن عرفات على تويتر: "نحن لا ننام. فقط أغمي علينا من التعب". لا يوجد هنا أنظمة عالية التقنية لتحذيرنا من الصواريخ القادمة أو إخبارنا بالاحتماء. علينا أن نتعلم قراءة أنماط الضربات الإسرائيلية الوحشية. كونك أبًا جيدًا في غزة فهذا يعني تطوير موهبة توقع ما ستفعله الطائرات الإسرائيلية دون طيار، وطائرات إف -16 فيما بعد.

ليلة الأربعاء، بعد ساعتين من القصف المتواصل وسقوط الصواريخ الإسرائيلية في جميع أنحاء القطاع - بعضها سقط على بعد بضع مئات الأمتار من بنايتنا، تمكنا أخيرًا من النوم. الصواريخ كانت تهز المنطقة بأكملها لثوان معدودة. تسمع صراخاً في لحظتها، ثمّ المزيد من الصراخ. عائلات بأكملها تخرج إلى الشارع. أطفالنا كانوا جميعًا جالسين في السرير يرتجفون ولا يقولون شيئًا. 

ثم يأتي التردد الذي لا يطاق: "أنا عالق بين أخذ عائلتي إلى الخارج، حيث الصواريخ والشظايا والحطام المتساقط، والبقاء في المنزل مثل هدف مكشوف ينتظر الطائرات الأمريكية الصنع التي يقودها الإسرائيليون. قررنا البقاء في المنزل. فكرت أننا سنموت معاً في هذه الحالة على أقل تقدير"

الضربات التي تصم الآذان تدمر البنية التحتية في قطاع غزة، وتقطع الطرق المؤدية إلى المستشفيات وإمدادات المياه، وتقلل من إمكانية الوصول إلى الإنترنت. أهداف كثيرة تصيبها إسرائيل ليس لها قيمة استراتيجية. إسرائيل تعرف ذلك وتعرف أن هذا يخيفنا. أتساءل ما الذي يفعله هؤلاء الضباط في مراكز قيادتهم: هل يجرون سحباً لاختيار حي لإبادته؟ هل يستخدمون النرد؟ 

كان يوم الأربعاء هو آخر يوم في رمضان. ينتهي شهر الصيام المبارك بعيد الفطر، وهو أحد الاحتفالات السعيدة في الإسلام. يرتدي فيه الأطفال ملابس جديدة ويحصلون على الهدايا النقدية والألعاب من أقاربهم. يزور المسلمون في فلسطين عائلاتهم ويأكلون معًا، لكن ذلك لم يحدث في هذا العيد.

بحلول وقت مبكر من يوم الخميس، قُتل 69 شخصًا في غزة في الغارات الجوية الإسرائيلية، بما في ذلك قادة من حماس، الجماعة التي تحكم القطاع، و 17 طفلاً. لقي سبعة إسرائيليين على الأقل، بينهم طفل، مصرعهم جراء مئات الصواريخ التي أطلقتها حماس.

في عام 2014، في أثناء الحرب الأخيرة، قتلت إسرائيل أخي حمادة، ودمرت شقتي عندما أستهدفت منزل العائلة الذي كان يؤوي 40 شخصًا. لقد قتل جد زوجتي وشقيقها وأختها وأطفال أختها الثلاثة. لم نتغلب على تلك الصدمة بعد، ولم ننتهي من إعادة بناء المنازل التي دمرتها إسرائيل في ذلك الوقت.

نسيبة وأنا زوجان فلسطينيان عاديان تمامًا، فقدنا أكثر من 30 شخصا من أقاربنا.

هذه الأيام، ونحن نرقد في ظلام الليل، أخشى الأسوأ وأخشى الأفضل. إذا خرجنا من هذا أحياء، فكيف ستكون نفسية أطفالي في السنوات القادمة، وهم يعيشون في خوف دائم من الهجوم التالي؟ 

يوم الثلاثاء، طرَحَت لينا سؤالها مرة أخرى، حيث لم نجب أنا وزوجتي عنه في المرة الأولى: هل يمكنهم تدمير بنايتنا في حالة انقطاع التيار الكهربائي؟ أردت أن أقول: "نعم يا لينا الصغيرة، ما يزال بإمكان إسرائيل تدمير مبنى الجوهرة الجميل، أو أي من بناياتنا، حتى في الظلام. كل منزل من بيوتنا مليء بالحكايات والقصص التي يجب روايتها. منازلنا تزعج آلة الحرب الإسرائيلية، تسخر منها، تطاردها، حتى في الظلام. لا تتناسب مع وجودها. وبفضل أموال الضرائب الأمريكية والحصانة الدولية، من المتوقع أن تستمر إسرائيل في تدمير مبانينا حتى لا يتبقى منها شيء".

لكن لا يمكنني إخبار لينا بأي من هذا، لذلك أكذب عليها وأقول: "لا يا حبيبتي، لا يمكنهم رؤيتنا في الظلام ".

 

* يعيش السيد العرير في غزة، وهو محرر مجموعة "غزة تكتب مرة أخرى" للقصص القصيرة، وأستاذ جامعي في الأدب المقارن والترجمة والكتابة الإبداعية. 

المصدر: https://nyti.ms/3ogN6P4

مقالات ذات صلة

مبنى وكالة أسوشيتيد برس ووسائل الإعلام الأخرى الذي قصفته غارة جوية إسرائيلية، (AP Photo / حاتم موسى)

تحليل: ما هي نتيجة حرب غزة الأخيرة؟

غزة ، الصورة نقلا عن رويترز

توترات بين أمريكا وفرنسا في الأمم المتحدة بشأن الصراع في غزة

اختيار المحرر

10 ملايين شخص سجلوا في تطبيق ثريدز (Threads) في 7 ساعات

أفضل 10 أماكن للعيش فيها للمحترفين الشباب في أمريكا

موضوعات متنوعة

الصورة

فانوس رمضان : تاريخ ظهوره ومكانته في الدول العربية

الصورة

أشهر 20 مسجد في العالم تتميز بتصاميم معمارية فريدة

الصورة
Cleveland Clinic Abu Dhabi

أفضل مستشفيات العالم : مايو كلينيك الأولى و كليفلاند الثانية

الصورة
ملك الأردن مع الرئيس الأمريكي بايدن في البيت الأبيض AFP

ملك الأردن يقدم رابع أغلى هدية للرئيس الأمريكي في عام 2021

الصورة

أكثر الدول أماناً بالعالم والدول العربية في عام 2022

الصورة
كرة كأس العالم في قطر

أبرز معلومات عن بطولة كأس العالم في قطر 2022