تحت شعار "استعادة وتنشيط التعليم لجيل (كوڤيد –19)، أحيا العالم مطلع الأسبوع اليوم العالمي للتعليم، الذي يمر في واحد من أسوأ أحواله بسبب تأثيرات جائحة كورونا وإجراءات التعامل معها، وذلك على مستوى العالم.
في الأردن على سبيل المثال، كانت الاستجابة السريعة للتعامل مع الجائحة بإقرار التعليم عن بعد والتمكن من إطلاق منصة إلكترونية للمحتوى التعليمي بالإضافة للبث المتلفز ضمن فترة قياسية لم تتعد الأيام، إنجازا يسجل لوزارة التربية والتعليم.
لكن المؤسف أننا اكتفينا بذلك ولم نلتفت إلى الثغرات العديدة في إدارة العملية التي أدى تجاهلها وعبور فصلين دراسيين بوجودها إلى نتائج كارثية فاقمت التردي الذي يعانيه واقعنا التعليمي منذ سنوات سبقت الجائحة.
تكافؤ فرص التعليم
على نطاق تكافؤ فرص الوصول بالتعليم للجميع كان هناك إخفاق حقيقي، وتقاعس غير مبرر، ليس فقط من وزارة التربية والتعليم، وإنما على مستوى الحكومة ككل.
في شهر آب الماضي، أي بعد مرور فصل دراسي كامل من اعتماد التعليم عن بعد، أعلنت الحكومة عن قرار بتوزيع 300 ألف جهاز حاسوب متصل بالانترنت على الطلبة المحتاجين، معترفة بنتائج دراسات تقول إن ما لا يقل عن 16% من طلبة المملكة يفتقرون إمكانية الوصول للانترنت، وها هو الفصل الثاني من التعليم عن بعد ينتهي دون أن نسمع عن توزيع لهذه الأجهزة.
تقارير دولية أخرى أشارت إلى أن نحو ثلث طلبة المملكة لا يمتلكون أجهزة حواسيب مناسبة للتعليم الالكتروني، وأن هذه الفجوة الرقمية توجد غالبا في الأسر منخفضة الدخل.
ذلك يعني تعميق الفجوة التعليمية المعتمدة على المستوى الاقتصادي للأفراد والأسر وهو الوجه الأوضح، وليس الوحيد، لما يمكن تسميته اصطلاحا بـ"طبقية التعليم".
هؤلاء الطلبة الذين لم تتوفر لهم فرصة مواصلة تعليمهم لعدم تمكنهم من الوصول للمحتوى التعليمي سوف يكونون مهددين بالخروج من العملية التعليمية بشكل كلي، حيث تشير الدراسات إلى زيادة تعرض الطالب الذي يتغيب أكثر من عشرة أيام عن الدراسة للتسرب من التعليم بنسبة 36 بالمائة، هذا طبعا في الأحوال الطبيعية، فما بالنا بالانقطاع لمدة عام وربما يكون أكثر؟
بالإضافة إلى هذا العامل، فقد يدفع عنصر الحاجة المالية لتسرب أبناء هذه الفئة، إذ أتاح إغلاق المدارس المجال لكثيرين للدفع بأبنائهم للعمل نتيجة الانعكاسات الاقتصادية الحادة للجائحة على هذه الفئة تحديدا، ولن يعود بإمكان غالبيتهم الاستغناء عن عمل أبنائهم إذا عاد التعليم المباشر.
هذا يعني أن معدلات التسرب الأعلى ستكون بين أبناء الفئات المهمشة، الذين سيخرجون من التعليم دون امتلاك المهارات اللازمة للتأهيل المهني، وبالتالي ستكون فرصهم مستقبلا في الحصول على عمل لائق هي الأدنى، وعليه فإن أسر هؤلاء ستكون ضمن الأكثر فقرا ما سيؤدي إلى محدودية فرص أبنائهم في الحصول على تعليم جيد، وهكذا يستمر الدوران في هذه الدوامة المظلمة.
علينا الاعتراف بهذه المعضلة الأخلاقية، وهي أن التعليم عن بعد اليوم في ظل الافتقار للبنى التحتية اللازمة وغياب التوزيع العادل لمكتسبات التنمية وسع الشريحة التي لا تحظى بعدالة التعليم. هذه مسألة غاية في الأهمية والخطورة، وعلاجها ينبغي أن يكون على رأس الأوليات، خصوصا حين تكون الدولة ضامنة لهذا الحق ولهذا المبدأ.