في نجاح جديد لملف استرداد الآثار المصرية من الخارج، نجحت مصر في إعادة 5000 قطعة أثرية من الولايات المتحدة الأميركية بتضافر الجهود بين وزارتي الآثار والخارجية المصرية بالتعاون مع السلطات الأميركية، وبالفعل، وصلت القطع الأثرية التي كانت ضمن مقتنيات متحف "الإنجيل المقدس" إلى مصر حيث سيتم ضمها إلى المتحف القبطي في القاهرة.
وكان شعبان عبد الجواد، المشرف العام على إدارة الآثار المستردة في وزارة السياحة والآثار، قد أوضح أن مصر نجحت في استرداد تلك القطع بعد جهود بدأت منذ عام 2016 مع السلطات الأميركية المعنية للمطالبة باسترداد تلك القطع والتي خرجت من مصر بطريقة غير شرعية.
واستمر التفاوض بين مسؤولي وزارة السياحة والآثار ومسؤولي متحف "الإنجيل المقدس" على مدار عامين، بالتنسيق مع وزارة الأمن الداخلي الأميركية، إذ انتهى التفاوض إلى الاتفاق على قيام المتحف بردّ كل القطع الأثرية المصرية التي بحوزته إلى الحكومة المصرية، وأشار إلى أن المجموعة تشتمل على ما يقرب من 5000 مخطوط وقطعة من البردى، مكتوب عليها نصوص باللغة القبطية وبالخط الهيراطيقي والديموطيقي، واللغة اليونانية، كما توجد أيضاً مخطوطات لصلوات دينية مسيحية مدونة بالعربية والقبطية معاً أو العربية فقط، إضافة إلى عدد من الأقنعة الجنائزية من الـ "كارتوناج" وأجزاء من توابيت ورؤوس تماثيل حجرية ومجموعة من البورتريهات الخاصة بالمتوفين، وسوف يتم إيداع القطع بالمتحف القبطي في القاهرة.
وأكد هشام الليثي رئيس الإدارة المركزية لمركز تسجيل الآثار، أن هذه القطع المستردة ليست من مقتنيات المتاحف أو المخازن الأثرية التابعة للمجلس الأعلى للآثار وإنما نتيجة الحفر خلسة.
وكان جوناثان كوهين، سفير الولايات المتحدة بالقاهرة، قد أعرب عن سعادة الولايات المتحدة بإعادة هذه القطع الأثرية إلى مصر قائلاً إنه يسر الولايات المتحدة أن تعيد هذه القطع الأثرية إلى مصر في إطار التعاون المشترك بين البلدين في مجال حماية التراث الثقافي الغني لمصر ونتطلع إلى استمرار هذا التعاون في المستقبل.
آثار مصر في الخارج
وفي السنوات الأخيرة، كان ملف الآثار المستردة من الخارج في أولويات الدولة المصرية التي نجحت بالفعل في إعادة عدد من القطع الأثرية من دول مختلفة إلى مصر، وحققت نجاحاً ملحوظاً في هذا المجال، ويشير علاء الدين شاهين أستاذ الآثار بجامعة القاهرة إلى أنه "لا شك في أن مصر تعطي أخيراً أهمية كبيرة لهذا الملف، وهناك تعاون كبير بين الجهات المختصة، وأهمها وزارتا الآثار والخارجية، كما تم استحداث إدارة متخصصة في وزارة الآثار تحت اسم إدارة الآثار المستردة، تعنى فقط بهذه القضية، وتتبع القطع الأثرية المصرية خارج مصر، خصوصاً التي تخرج بطرق غير مشروعة، وقد يتم بيعها أو عرضها في مزادات، وتعد اللازم للعمل على إعادتها".
ويضيف شاهين، "تحكمنا في هذه القضية اتفاقيات اليونسكو لعام 1960 والاتفاقية الجديدة التي صدرت عام 1995، ولهذا، فإن الآثار التي خرجت من مصر قبل عام 1970 نعاني من كثير من المشكلات لإعادتها، بعكس المهربة إلى الخارج في أوقات لاحقة، وتنص الاتفاقية الجديدة على أن أي آثار تم العثور عليها في حفائر غير قانونية وتم تهريبها إلى الخارج، تعتبر مسروقة، ومن هنا يمكن اتخاذ الإجراءات والمطالبة بعودة الآثار إلى مصر، وغالباً ما ينجح الأمر، كما أتاحت الاتفاقية حق اللجوء إلى القضاء في الدولة التي وصلت إليها القطعة الأثرية والمطالبة بعودتها".
حماية الآثار في مصر
ويعدّ تهريب الآثار مشكلة عانت منها مصر على مدار الزمن، ولكن لا بد من أن هناك إجراءات يمكن اتخاذها للحد من هذا الأمر من الأساس، ويشير شاهين إلى أن "هذا الموضوع له أكثر من جانب، فبداية، يجب أن تتم متابعة ومراجعة وتوثيق القطع الأثرية الموجودة في مخازن المتاحف، فبعض المخازن بها كم كبير جداً من الآثار، ربما أكثر من المعروض في المتحف ذاته، من جانب آخر، لا بد من أن يتم تأهيل العنصر البشري المسؤول عن حماية الآثار والتعامل معها، ووضع نظم متطورة للحماية والمراقبة، إضافة إلى ذلك، لا بد من العمل على نشر الوعي بأهمية الآثار وقيمتها المادية والمعنوية وتأثيرها في الجانب الاقتصادي لمصر بين عموم الناس"، ويضيف، "كل ما سبق يحتاج إلى تضافر جهود جهات متعددة مثل الحكومة والمجتمع المدني والإعلام، وأتمنى أن تكون هناك جهة مركزية في مصر تجمع كل الجهات المختصة بملف استرداد الآثار من الخارج، ويكون منوطاً بها تنسيق ومتابعة هذا الملف بشكل متكامل".
القطع المستردة حديثاً
وتعود القطع المستردة حديثاً من الولايات المتحدة إلى العصر المسيحي المبكر في مصر، وتضم مخطوطات وتماثيل وصلوات مسيحية، وعن أهميتها وقيمتها يشير أستاذ الآثار المصرية إلى أن "متحف الإنجيل المقدس بواشنطن هو من المتاحف التي تعنى بالتثقيف الديني المسيحي، ويركز على عرض نسخ متعددة من الأناجيل القديمة والمخطوطات التي تضم الصلوات بلغات مختلفة من أماكن متفرقة، والقطع المستردة أخيراً تمثل المسيحية المبكرة في مصر، وهي بالطبع مخطوطات مهمة للتوثيق لهذه الفترة، والتماثيل المستردة أخيراً ستضيف لدراسة تطور الفنّ في هذه المرحلة التي انتشر فيها وضع قناع من الجبس الملوّن على جثمان المتوفى، ووضع صور أو بورتريهات للشخص في مقبرته، فهذا كان من تقاليد الدفن الخاصة بهذه الحقبة". ويضيف، "بالطبع، هذا الكمّ من القطع الأثرية سيمثل إضافة للمتحف القبطي في مصر وسيساعد المختصين على اكتشاف المزيد في ما يتعلق بهذه المرحلة التاريخية في مصر".
المصدر: http://bit.ly/3j152KB