غالبًا ما تكون السيدة الأولى في العالم محط الأنظار؛ وسواء اختارت الابتعاد عن الأضواء، أو قيادة فريق عمل للاهتمام بإحدى القضايا، مثل التعليم أو الصحة أو حقوق النساء، فإن كيفية تعاملها مع هذا الدور الجديد لأسرتها يجعل حياتها مادة ثرية للأدب والفن.
ومع الأسبوع الأخير من يونيو الماضى، انتهت شبكة شو تايم من عرض الحلقة العاشرة والأخيرة من الموسم الأول لمسلسل The First Lady "السيدة الأولى" الذي تناول حياة 3 زوجات لرؤساء أمريكيين في فترات زمنية مختلفة؛ ميشيل أوباما، وبيتى فورد، وإليانور روزفلت.
3 سيدات، كل منهن لديها شخصية مختلفة وتعيش في فترة زمنية مختلفة تمامًا في مشاكلها عن الأخرى، لكن جمعهن لقب "السيدة الأولى"، وطموح أزواجهن وربما أيضًا طموحهن وقوة شخصياتهن، كما يكشف المسلسل الذي يمكن اعتبار حلقاته العشر ملهمة بشكل كبير للسيدات.
تمتلئ الحلقة الأولى من المسلسل بالكثير من اللقطات والاقتباسات التي ستجعل المشاهد يدرك على الفور أن دور الرئيس الأمريكى سيكون على الهامش في هذا المسلسل، فالبطولة هنا لصاحبة لقب "السيدة الأولى" التي لا يوجد نص دستوري أو قانون يحدد دورها في البيت الأبيض، ورغم ذلك فأغلب من حملن هذا اللقب كانت لهن إسهامات تجعلهن على قدم المساواة مع أزواجهن في الجناح الشرقى من البيت الأبيض.
ففى البداية، سنجد ميشيل أوباما التي لعبت دورها الممثلة الأمريكية "فيولا ديفيس"، تجلس لتلتقط لها الرسامة إيمى شيرالد صورة فوتوغرافية، وعندما تسألها ميشيل: لماذا لم تلتقط صورًا لزوجها، أجابت شيرالد: "لا أريد أن أرسم المسؤول فحسب، لكننى مهتمة بالواقع"، وتتابع اللقطات التي تنتقل بنا إلى بيتى فورد، التي لعبت دورها النجمة ميشيل فايفر، زوجة الرئيس الأمريكى الأسبق جيرالد فورد، في نفس وضعية رسم الصورة، بينما ينساب صوت إليانور روزفلت، لعبت دورها جوليان أندرسون، وهى تقول: "النساء مثل كيس الشاى، لن يمكنك معرفة نوعه حتى تضعه في المياه الساخنة.. لا أعتقد أن كل النساء يمكنها التأقلم مع هذا النمط من الحياة".
اختارت مخرجة المسلسل سوزان بير الانتقال زمنيًا في كل حلقة بين فترة العشرينيات من القرن الماضى، ثم بداية السبعينيات، ثم العقد الأول من الألفية الجديدة لتتبع كل واحدة من السيدات الثلاث كزوجة وأم، والأهم أن تظهر كيف وأنها حتى قبل أن تكون زوجة للرئيس فلديها شخصية مميزة واهتمامات عامة، وقد تكون هي العامل الأهم في دفع زوجها واستمراره في العمل السياسى.
ربما سبب الانتقال الزمنى في الحلقات بعض الإرباك في البداية للمشاهد، لكن من الحلقة الثانية يدرك أن الانتقال زمنيًا في كل حلقة لا يتم عشوائيًا، فغالبًا ما تختار المخرجة خيطًا واحدًا لكل حلقة لتظهر من خلاله الملامح المميزة لكل شخصية وأهم القضايا المطروحة في عصرها وكيفية تعاملها معها؛ فمثلًا في إحدى الحلقات يكون التركيز على المقاومة التي تلقاها السيدة الأولى من فريق عمل البيت الأبيض الذي يرغب في إبعادها عن تفاصيل عمل الرئيس وحصر دورها على الظهور في المناسبات الرسمية والتقاط الصور وهى تقوم بأعمال الزراعة في حديقة البيت الأبيض أو الاهتمام بالأطفال، وكيف تعاملت كل سيدة باختلاف شخصيتها مع هذه التحديات، وأيضًا مشاكلهن الخاصة، مثل إدمان الكحول، والعنصرية والعلاقات الخاصة.
اعتمدت المخرجة سوزان بير على مدرسة المحاكاة الشكلية للشخصيات؛ فبالإضافة إلى تقارب الملامح العامة التي تجمع بين نجمات العمل والشخصيات الحقيقية لزوجات الرؤساء الأمريكيين، خاصة فيولا ديفيس، التي عملت أيضًا كمنتج منفذ للمسلسل وقدمت دور ميشيل أوباما، جاء المكياج ليزيد من التشابه الكبير في الشكل، سواء بإضافة الأسنان الأمامية البارزة لجيلان أندرسون، أو الشعر المستعار لفيولا ديفيس، التي تعرضت لبعض الانتقادات بسبب مغالاتها لحركة ضم الشفاه المميزة لميشيل أوباما.
الانتقادات طالت أيضًا أداء فيولا ديفيس وجوليان أندرسون الذي جاء تقليدًا بشكل كبير للشخصيات الحقيقية، بعكس ميشيل فايفر التي حاولت خلق مساحة تضع فيها بصمتها الخاصة في شخصية بيتى فورد، وقدمت عددًا من أجمل المشاهد في المسلسل، سواء في لحظات انهيارها بسبب إدمان الكحول أو اللحظات التي تتحدث فيها بشكل عفوى في المؤتمرات العامة.
الانتقادات طالت أيضًا فكرة المسلسل ككل والقائمة على وجود ثلاث سيدات في مسلسل واحد، وكيف أن ذلك يتعارض مع فكرة الاحتفاء بأدوارهن، وأن الأكثر واقعية أن تكون كل شخصية في مسلسل خاص بها، ورغم ذلك فإن البعض قال إنه مسلسل متوسط المستوى، لكن ذلك لا يمنع بأنه من المتوقع أن ينافس في موسم الجوائز القادم بسبب موضوعه، وأيضًا بسبب طاقم التمثيل الذي ضم بجانب فيولا ديفيس وجوليان أندرسون وميشيل فايفر، أو تى فاجبنل "باراك أوباما"، كيفر سيزلاند "فرانكلن روزفلت"، وأرون إيكهارت "جيرالد فورد".
أظهر المسلسل على مدار حلقاته العشر الكثير من التفاصيل التي ربما لا تكون معروفة، خاصة بالنسبة للمشاهد العربى، فمثلًا مشروع الرعاية الصحية المعروف باسم أوباما كير ويعد أهم إجراء تنظيمى للرعاية الصحية في الولايات المتحدة، كان بسبب ميشيل أوباما ومعاناتها مع والدها المريض، وكيف كانت ثقافة إلينانور روزفلت سببًا في بلاغة خطب زوجها الرئيس فرانكلن روزفلت، وأنها كانت السيدة الأولى الأكثر إثارة للجدل عندما دخلت البيت الأبيض عام 1933 بإصرارها على تعيين مراسلات سيدات لتغطية أخبارها وعقد مؤتمر صحفى منتظم داخل البيت الأبيض، ما أجبر الصحف وقتها على زيادة نسبة مشاركة السيدات في العمل، وأيضًا كتابتها عمودًا صحفيًا وتقديمها برنامجًا إذاعيًا، وكيف ساهمت تلقائية بيتى فورد في تمرير رسائل من زوجها الرئيس جيرالد فورد إلى الناس وخلق مساحة للتضامن معه، وكيف خلقت لها صوتًا يتجاوز فكرة أنها في المرتبة الثانية بعد زوجها.
تعرض المسلسل أيضًا لمنطقة شائكة في حياة السيدات، منها ما يقال حول العلاقة العاطفية التي جمعت بين إلينانور روزفلت والصحفية لورينا هيكوك، وكيف كانت بيتى فورد تدعم حق النساء في الإجهاض، بعكس زوجها، كما أعلنت وسط حملتها للإقلاع عن الإدمان أنها شخصيًا كانت مدمنة للكحول وأنها اكتشفت إصابتها بسرطان الثدى، وأيضًا زلة لسان ميشيل أوباما حينما أعلنت في أحد المؤتمرات خلال حملة ترشح زوجها أنها لأول مرة تشعر بالفخر بأنها تعيش في ذلك الوطن، وهو ما جعلها تصرح بعد ذلك لما تعرضت له من عنصرية بسبب بشرتها السمراء، وأيضا انطباعاتها السيئة جدا تجاه الرئيس السابق دونالد ترامب والذى دفعها للتضامن مع هيلارى كلينتون، عدوتهم السابقة، في حملتها الانتخابية عام 2016، أملًا في هزيمة ترامب بالانتخابات.
وحرص صُناع المسلسل على إظهار أن الخروج من البيت الأبيض لا يعنى توقف الحياة على العكس تمامًا، فكل واحدة من السيدات الثلاث كان لقب السيدة الأولى بداية الطريق ربما لتكتشف نفسها وتبدأ مرحلة جديدة ملهمة لغيرها من النساء، وهو ما جعل المسلسل يتحول إلى "تريند" على مواقع التواصل الاجتماعى، خاصة بعد الحلقة الأخيرة، وضرورة وجود موسم جديد للمسلسل، خاصة أن طبيعة الموضوع ووجود 46 رئيسًا أمريكيًا وبالطبع سيدة أولى، يعنى وجود مادة ثرية لإنتاج مواسم أخرى تتناول حياة السيدة الأولى للولايات المتحدة، وهو ما لم تؤكده أو تنفيه شو تايم، لكن بعض المواقع الصحفية أشارت إلى أن المرشحات للموسم الثانى ستكون هيلارى كلينتون باعتبارها سيدة ملهمة وأحاطت بفترة حملها للقب السيدة الأولى الكثير من القضايا، كان أهمها تعاملها مع فضيحة مونيكا لوينسكى، ثم مواصلتها العمل السياسى كوزيرة للخارجية وترشحها عام 2016 لرئاسة الولايات المتحدة، وأيضًا السيدة جاكلين كيندى بعيدًا عن القصة التقليدية لحياتها، وميلانيا ترامب.
صورة من المسلسل نقلا عن npr