"أن تكون مهندسًا معماريًا يعني فهم الفراغ، وفهم الفراغ الذي ينظمه الإنسان، وفك رموز الحركات والسلوك العفوي للناس" ريكاردو بوفيل
ريكاردو بوفيل (Ricardo Bofill) مهندس معماري إسباني مشهود ببراعته، وما زال يواصل منذ عام 1963 تقديم نتائج بارزة لأكثر من 1000 مشروع حتى الآن في أكثر من 50 دولة. ريكاردو بوفيل المولود في عام 1939 هو أحد المهندسين المعماريين في مستهل عصر ما بعد الحداثة والذي وُصف بأنه أحد أشهر المهندسين المعماريين في أوروبا وأغزرهم عطاءً في القرن الماضي، والذي توسعت مسيرته المهنية من قوارير العطور إلى التخطيط الحضري مع كل شيء بينهما.
يعتبر بوفيل ذو الأصول الإيطالية والكتالونية أن طفولته في كتالونيا كانت ذات أثر كبير على مسيرته المعمارية. وقد طور اهتمامًا كبيرًا بالهندسة المعمارية لأنطونيو غاودي (Antonio Gaudi) (1852-1926)، خاصةً في التفاصيل البنائية، والحرفية الكتالونية التقليدية. في وقت لاحق خلال رحلاته في جميع أنحاء أوروبا الغربية وشمال إفريقيا، قام بتنمية اهتمامه بكيفية تشكيل المساحات للتفاعل الاجتماعي.
توصف هندسته المعمارية بأنها حساسة ثقافياً، مع التمحيص المستمر في التقاليد والماضي كوسيلة لابتكار حلولا تصميمية جديدة للقضايا الاجتماعية المعاصرة. في كتاب الهندسة المعمارية الإسبانية - ريكاردو بوفيل، يصف المؤلف أسلوب بوفيل بأنه "أسلوب شخصي فريد يتناغم مع العديد من الثقافات المحلية حول العالم في المدن التي توجد فيها أعماله".
وفقًا لذلك، لا يزال أسلوبه قابلاً للتطبيق اليوم، في نفس الفترة مع النمط الحالي للهندسة المعمارية عالية التقنية. لسبر اعماق ذهن المهندس المعماري، علينا أن ننظر إلى إبداعاته المعمارية. ستبدأ المناقشة بمشروع بوفيل الأول في عام 1960، وهو منزل لأسرة واحدة في مدينة إيبيزا (Ibiza) في إسبانيا. أراد بوفيل مسكنًا يتناسب مع اللغة المعمارية لبيئة الجزيرة دون أن يشذ عن نطاق السياق متبعا بذلك الأسلوب العضوي الدولي لإظهار انبهاره بالبيئة المحلية بعد فهم جوهر اللغة المعمارية الخاصة لإيبيزا لالتقاط "العبقري المحلي". وبالتالي، تم بناء المنزل من الجدران المنحنية بنوافذ صغيرة مما يخلق ديكورًا داخليًا بسيطًا وهادئًا بشكل ساحر.
وفي وقت لاحق من عام 1973، اكتشف بوفيل مصنعًا مهجورًا للأسمنت في حالة خراب جزئي في منطقة خالية من الأشجار في ضواحي برشلونة. في غضون عامين تقريبًا أعاد المهندس المعماري الحياة إلى المصنع من خلال تحويله إلى ما أسماه بـِ La Fabrica (أي المصنع بالإيطالية)، والذي أصبح مكتبه المعماري ومنزله موضحًا أنه يريد العيش هناك من أجل متعة التحدي!
تم تنظيف الصوامع المتبقية من الأسمنت وأصبحت مكاتب ومختبر نماذج وأرشيفات ومكتبة وغرفة عرض وشقق سكنية. أقيمت منطقة المعارض والحفلات الموسيقية والمحاضرات في مساحة تعرف باسم "الكاتدرائية". يبرز المصنع اليوم في وسط الحدائق المليئة بأشجار الأوكالبتوس والنخيل والزيتون والسرو.
إن تناقض العناصر الأصلية التي تتدلى في الفراغات، والتوزيعات المربكة المتخطية للأبعاد مقارنة بالمساحة الهائلة، والنسيج الصادق مع الضوء الطبيعي توفر شعورًا فريدًا للمستخدم، مما يخلق مزيجًا من الانطباعات. يعبر عن ذلك قائلا "حتى بعد قفزة مائة عام في المستقبل، فإن تطور لا فابريكا لا ينتهي، وما كان لا يمكن تصوره في السابق سيستمر في الظهور"
والدِن-7 (Walden-7) هو مجمع سكني ضخم يمثل مرحلة ثانية غزيرة ومبتكرة من أعمال بوفيل التي استغرقت معظم فترة السبعينيات من القرن العشرين. بمساحة إجمالية تبلغ 40.000 متر مربع، يتكون المجمع من أربعة عشر طابقًا من 446 شقة، موزعة على خمسة أفنية. انطلاقا من اعتبار الفرد أصغر "خلية اجتماعية" من ضمن التنظيم الوظيفي للوحدات المكانية يمكن دمجها في عدة أشكال لاستيعاب مجموعات مختلفة من حيث عدد الأشخاص في المساحات الخلوية.
يجمع والدِن-7 المجتمع الطوباوي. بمجرد دخول الزائر إلى أحد الساحات، تشكل ألوان الأزرق والأخضر والذهبي الساطعة الارتفاع الداخلي لهذه الساحات، ومئات الشرفات والجسور والزوايا، لتجزيء مثل هذا المبنى الضخم ليصبح أكثر إنسانية النسب من خلال إنشاء عدد لا يحصى من المساحات الخاصة. يعتبر والدن -7 تنفيذًا ناجحًا لفكرته "مدينة في الفضاء" ومكانًا كان قادرًا فيه على تعزيز التفاعل الاجتماعي.
صمم بوفيل أكثر من ألف مشروع لعالم الهندسة المعمارية مع فريقه وابنيه من خلال شركته Ricardo Bofill Taller de Arquitectura . كل مشروع هو تطبيق لفكرة مفاهيمية تهدف إلى تحسين نوعية حياة المستخدم. تحظى إبداعاته المعمارية بالتقدير بسبب الترابط بين القضايا الاجتماعية والمكانية والتقنية لحل مشاكل الحياة الحديثة في ظل وجود جماليات وقيم التاريخ.
يمكنكم الاستمتاع باستكشاف أعمال بوفيل الهندسية على الموقع هنا https://ricardobofill.com/