احتفل المعرض العالمي لعام 1893 في شيكاغو -المعروف آنذاك بإسم المعرض الكولومبي- بمرور 400 عام على وصول كريستوفر كولومبوس إلى الأمريكتين. تميز ذلك المعرض الهائل بالكثير من المعروضات الرائعة، بما في ذلك أول سيارة أمريكية تعمل بالغاز، عربات دايملر الرباعية، بالإضافة إلى تمثال فينوس دي مايلو المصنوع بالكامل من الشوكولاتة والذي يزن 1500 رطل.

ورغم ذلك، اكتسب المعرض العالمي شهرة أكبر لصلته بأحد المباني، الذي يُعد أبشع مما كان يمكن أن يتخيله منظمو المعرض، وهو المبنى الذي أُطلق عليه تسمية "قلعة القتل" والتي تعود ملكيتها لـ H.H. Holmes ، أول قاتل متسلسل موثق في أمريكا.

 

من هو H. H. هولمز؟

وُلد H. H. Holmes باسم هيرمان ويبستر مدجيت في نيو هامبشاير عام 1861. وتخلى عن زوجته الصغيرة وطفلهما عام 1885 للانتقال إلى إلينوي. وبمجرد وصوله إلى هناك، غيّر اسمه إلى هولمز تكريماً لشخصية المحقق الإنجليزي شيرلوك هولمز الخيالية، في العمل الأدبي للمؤلف السير آرثر كونان دويل.

بعد وقت قصير من وصوله إلى شيكاغو، عمل هولمز في صيدلية تقع بالقرب من جاكسون بارك، وبعد ثمان سنوات، أصبح جاكسون بارك موقعاً للمعرض العالمي عام 1893.

صُمّم المعرض الكولومبي، كما كان يطلق عليه آنذاك، من قبل بعض أهم المهندسين المعماريين في أمريكا، بما في ذلك فريدريك لو أولمستيد، وضم معارضاً من أكثر من 40 دولة.

استقطب الحدث أكثر من 27 مليون زائر إلى شيكاغو، وهو رقم مذهل نظرا إلى وسائل النقل المحدودة في ذلك الوقت. استفاد هولمز من الكثير من زوار المدينة، بما في ذلك النساء الشابات اللاتي حضرن إلى شيكاغو للعمل في المعرض.

"قلعة القتل"

يعتقد المؤرخون أن هولمز -وهو فنان خِداع بارع وجذّاب- استولى على مبالغ مالية من أصحاب عمله في الصيدلية، ومن ثَمّ ابتاع قطعة أرض فارغة في حي إنغيل وود في شيكاغو، وبنى عليها بناء أشبه ما يكون بالمتاهة، إذ يوجد متاجر في الطابق الأول وشقق صغيرة في الطابق أعلاه.

أصبح هذا البناء قلعة قتل مفخخة خاصة بـهولمز. وتميز المكان بوجود غرف عازلة للصوت وممرات سرية، بالإضافة إلى متاهة مربكة من الممرات والسلالم. وتم تجهيز الغرف بأبواب سرية تحتها مزالق، تعمل على إلقاء ضحايا هولمز الغافلين إلى قبو المبنى.

كان القبو عبارة عن مكان مُروّع يحتوي على الأحواض الحمضية والحُفر الجيرية، التي عادة ما تستخدم لإذابة جثث الموتى، كما احتوى المكان على محرقة جثث استخدمها القاتل للإجهاز على ضحاياه.

ضحايا هولمز

جذب هولمز عددًا من زوار المعرض الكولومبي إلى مخبأه الشرير من خلال وعدهم بالإقامة في قلعته مقابل أسعار زهيدة، ولا يزال العدد الدقيق لضحاياه موضع نقاش من قبل المؤرخين.

وتم إلقاء القبض على هولمز بعد فترة وجيزة من فراره من شيكاغو في أكتوبر 1893، عقب اختتام المعرض العالمي، حيث تم اعتقاله في بوسطن بتهمة قتل مساعده بنيامين بيتزل واثنين من أطفال بيتزل.

ومن المثير للاهتمام أنه في أثناء فراره ضلّل هولمز زوجة بيتزل، ثم حصّل أموال التأمين الخاصة بمساعده السابق، وعاش مع أرملته وثلاثة من أطفاله. في نهاية المطاف، اكتشفت الشرطة جثة أحد الأطفال المقتولين، وهو ما تسبب باعتقال هولمز.

بعد اعتقاله، زعم هولمز بأنه قتل أكثر من 200 شخص في قلعة القتل، لكنه في النهاية اعترف بـ 27 جريمة قتل، من بينهم بيتزل واثنتين من بناته.

أُعدم هولمز في فيلادلفيا عام 1896 بسبب جرائمه، وذلك بعد حبسه لمدة قصيرة، وتم دفن جثته في مقبرة هولي كروس (الصليب المقدس) خارج مدينة بنسلفانيا.

ماذا حدث لقلعة القتل؟

على الرغم من إلقاء القبض على هولمز وإعدامه، استمرت الشائعات لأكثر من قرن بأن القاتل المتسلسل دفع رشوة للسلطات لتفادي العقوبة. وتشير النظريات إلى أن هولمز قد سُمح له بالفرار وأن المسؤولين شنقوا رجلاً آخر بدلاً منه.

استجابة لهذه الشائعات، وفي مارس 2017، قدمت سلالة هولمز، التي تعيش في ديلاوير، التماساً لإخراج جثته حتى تخضع لاختبار الحمض النووي، وقد خلصت النتائج إلى أن الجثة تعود لهولمز.

في الوقت ذاته، اكتنف الغموض مصير القلعة التي استخدمها هولمز لتنفيذ جرائمه، وحينما كان هولمز قيد الحبس عام 1895، التهمت النيران قلعته، وذلك بعد أن أفاد شهود عيان برؤية رجلين يدخلان المبنى ذات ليلة في وقت متأخر.

بقي المبنى قائماً إلى أن تم هدمه عام 1938. ويشغل الموقع الآن فرع إنغل وود التابع لمكتب البريد الأمريكي.

تعدّ رواية "الشيطان في المدينة البيضاء" للكاتب إريك لارسون، التي نشرت عام 2003، العمل الأدبي الأشهر والأكثر مبيعاً حول قصة هولمز.

المصدر: www.history.com