كتب القصة هيا الدعجة وحررها مالك مقابلة
دفعني فضولي لزيارة التركمان وقضاء يومين برفقتهم -على سبيل التجربة- للتعرف إليهم، بعيدا عن الروايات التي تدور حولهم.
ألوان كثيرة ونساء حسناوات يفترشن رقعة من الارض لساعات وربما لأيام، قبل أن تزيل الجرافات خيمهن الملونة التي تحميهن من حرّ الصيف وبرد الشتاء.
الخردة، الكلأ، الفرح، الخوف، هي كل ما يملك التركمان. تقول لبيبة بلغة عربية ركيكة مختلطة بالتركية: "جرافة بشّيل كل الخيم، احنا يوقف يتفرج، بس يروح برجع ببني خيمة كمان مرة"، في إشارة منها إلى الاعتياد والتأقلم.
من هم التركمان؟
التركمان شعب تعود أصوله إلى إحدى القبائل التركية الموجودة في تركمانستان، وشمال شرقي إيران، وأفغانستان، وشمال القوقاز. وفي مرج ابن عامر في فلسطين، يقطن تركمان كثر ينحدرون من أصل عربي.
أبناء الريح، شعوب اعتادت الرحيل والترحال وأحبت الأرض كلّ الأرض
التركمان مواطنون أردنيون بجوازات سفر وهويات، ومنهم من عمل في الجيش العربي. يعيشون في محافظة مادبا وفي عدد من مناطق العاصمة عمّان. كبيادر وادي السير وبعض القرى، لكنهم لا يستقرون في مكان ما، ولا يستطيعون التحكم في حالة الجو، فيضطرون إلى مواصلة ترحالهم -قسرًا لا طوعًا هذه المرة-، بسبب ترحيلهم من البلديات أو أصحاب الأراضي من جهة، والمطر والحر من جهة أخرى.
هذا الترحال المستمر يحرمهم من الاستقرار والشعور بالأمان. غير مجبرين على العيش في الخيم، لكنهم يختارون ذلك ليوثقوا ارتباطهم بالأرض، وليشعروا بالحرية ويستمتعوا بالهواء الطلق، وفق كلامهم.
ماذا يعمل التركمان؟
جمع الخردة هو مصدر دخلهم وأشبه بوظيفتهم الرسمية، يشارك فيها أفراد العائلة جميعا؛ الجدة والأم والبنات حتى الأطفال. وفي هذا الجانب يبرز دور المرأة، بوصفها مصدر القوة وعمود البيت. أما الرجال، فبعضهم يعمل -غالبًا- في مصر والسودان لكسب المال، وبعضهم الآخر يكسب قوته من بيع المعاطف والنظارات وبعض المستلزمات، ومن يتبقَ منهم يساعد النساء في جمع الخردة، لكنه لا ينجح في ذلك، لأن السلطات تمنعه، وقد يصل الأمر إلى زجه في السّجن، كما يقولون.
تبدأ جولتهم الأولى بجمع الخردة من هنا وهناك، ثمّ يذهبون بها إلى سوق الخردة "السكراب" لبيعها. وفي طريق عودتهم إلى خيامهم، يمرون بخلاطات "الباطون"، حاملين معهم قوارير بلاستيكية فارغة ليملأوها بالماء، كي يستخدموها في الشرب والطهي ويستحموا بها.
ثقافة التركمان السائدة والخرزة الزرقاء
التركمان يسيرون على خطى آبائهم وأجدادهم، وتسيطر الموروثات القديمة والخرافات على أغلبهم، بعد أن اتخذوا من قراءة البخت أو "الودع" مهنة مربحة. يتزوجون عادة بطريقة الخطف، فيخطف الشاب الفتاة التي يحبها ويذهب بها إلى بيت أحد كبار القبيلة، ليرغم أهلها على الزواج بها في حال لم يوافقوا عليه.
التركمان مهووسون بالخرزة الزرقاء، تراها على الكبار والصغار في جدائل شعورهم، ممزوجة في حليهم، معلقة على خيامهم درءًا للحسد. إذا أردت اختبار صدقهم، فحلّفهم بـ"الشهمردان"، هو أقرب إلى الولي عندهم، يتباركون فيه ويخشون غضبه، مع أنهم مسلمون.
نسبة الامية تكاد تصل بينهم إلى 95%، إذ إن أغلبهم يتمسك بخطى آبائه وأجداده، فلا يفضل تعليم أولاده. تمسّكهم هذا ازداد بعد رفض بعض المدارس استقبال أطفالهم "بحكي عنا نَوَرْ"، و يرجعون هذا إلى سبب آخر هو ترحالهم الدائم الذي يمنع أطفالهم من التزام المدرسة، على حد تعبيرهم.
بيئة التركمان
الكثير من السعادة وبعض الرقص وخيم عشوائية مرتبة ونظيفة في داخلها، تحوي بعض الاواني والمقتنيات التي تعكس بساطة الحياة وبدائيتها، وملابس تقليدية اعتادوا أن يخيطوها بأيديهم. في الأعياد وحفلات الأعراس يشترون الملابس، وفي أفراحهم تزداد الألوان توهجًا، ويرتفع صوت الموسيقى، ليغدو الرقص وسيلتهم الوحيدة للتعبير عن الحياة.
حينما سألت طفلة تركمانية تدعى كرز عن مطالب التركمان أجابت: "وعينا في الحب، في المرح، همنا بطنا ولبسنا، ما بدنا مشكلة أبدا". يبهرك تمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم وملابسهم، فالتخلي عن أي منها عيب، ويمكنك ملاحظة ذلك جيدا، فهم يتجنبون الكلام مع الناس، ويفضلون نمط حياتهم العادي، ويعشقون البساطة، السعادة عقيدتهم، وقلة الراحة والترحال قدرهم، ولا شيء مهم بالنسبة إليهم.
