على بعد نحو ساعتين من مدينة كولومبوس في ولاية أوهايو، يعيش مجموعة من النّاس حياة بسيطة خالية من التكنولوجيا والمظاهر العصرية، وما زالوا يستخدمون عربات تجرها الخيول ومعدات زراعية تقليدية.
قد تبدو حياتهم وممارساتهم غريبة وقديمة الطراز بالنسبة للنّاس الآخرين، لكنها عبارة عن "تفسيرهم الخاص للكتاب المُقدَّس".
من هم الآميش (Amish)؟ ومن أين جاءوا؟
الآميش هم مجموعة مسيحية، هاجرت من سويسرا وألمانيا إلى أمريكا وكندا في بدايات القرن الثامن عشر، بعد أن تعرضت إلى اضطهاد ديني في بلدانهم الأصلية، وأسّسوا مع بدايات استقرارهم مجتمعات زراعية في ولايات أوهايو وبنسلفانيا وإنديانا في أمريكا، إضافة إلى اونتاريو في كندا.
وبالرغم من مرور نحو ثلاثة قرون على وجودهم في أمريكا، إلّا أنهم لا يصوّتون في الانتخابات ولا يخدمون في الجيش، ومع ذلك فهم ملتزمون بدفع الضرائب، ولديهم قواعد صارمة تتعلق بالملابس وأسلوب الحياة البسيط، حيث يُطلق الرجال لحاهم ويرتدون بملابس داكنة، فيما ترتدي النساء فساتين طويلة وغطاء رأس أبيض.
الآميش مجتهدون في العمل، ويحافظون على علاقات وثيقة مع الأقارب والأصدقاء، ويعكس مظهرهم التواضع والالتزام بالتراث المعمداني والتقاليد الموروثة عن الأجداد.
أعداد الآميش في أمريكا
تقدر أعداد الآميش في عموم الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 300 ألف نسمة، تحظى ولاية أوهايو بالنسبة الأكبر، إذ يسكن فيها نحو 70 ألف نسمة، بزيادة بسيطة عن أعدادهم في ولاية بنسلفانيا التي تقدر بنحو 69 ألف نسمة، فيما تأتي إنديانا في المرتبة الثالثة بنحو 51 ألف نسمة.
التعليم واللغات التي يتحدث بها الآميش
يتكلم الآميش شكلاً من أشكال اللغة الألمانية (Pennsylvania Dutch)، يستخدمونها للتواصل فيما بينهم، إضافة إلى الإنجليزية التي يتعلمها الأطفال في المدارس. ومع ذلك، يتوقف أبناؤهم عن التعليم بعد الصف الثامن، لأنهم يفضلون البقاء والعمل معاً في المزارع العائلية والشركات الصغيرة، وأحياناً في بعض المطاعم والمصانع الصغيرة والمتوسطة.
قناعاتهم وأسلوبهم في الحياة
يؤمن الآميش بأن السلام والمصالحة هما محور حياة المسيح ورسالته، ويعتبرون أن العنف ليس خياراً حتّى في حالة الدفاع عن النفس، كما يعتقدون بأن الإنجيل يُعلّم البساطة والفصْل الواضح بين الكنيسة والعالم.
يفضل الآميش العيش ضمن مجتمعات منفصلة عن المجتمعات الأخرى، ولأنهم يعتقدون بأن التكنولوجيا ووسائل الراحة الحديثة تساهم في القضاء على التماسك الأسري، فإنهم يتجنبون استخدام الهواتف والتلفزيونات والسيارات والكمبيوترات، ويحاولون دائماً المحافظة على نمط حياة زراعية بسيط، إلا أنّ منهم مجموعات تُجيز استخدام الهواتف والبطاريات والمحركات المنتجة للطاقة الكهربائية ضمن قواعد محددة.
كما يسمح الآميش للشباب في سن 16 مغادرة منازل والديهم واختبار نمط الحياة "الإنجليزي" للتعرف على العالم الخارجي، واختبار الوسائل المريحة والفرص المتاحة، هذه الفترة تعرف باسم (rumspringa)، يلتقون خلالها ببعضهم البعض ضمن مجموعات، لممارسة النشاطات الترفيهية والغناء وقضاء بعض الوقت بعيداً عن مجتمعاتهم، ويختار بعد انقضائها بعض الشباب البقاء ضمن هذا العالم وترك أسلوب الحياة الآمشي، وهو قرار صعب للغاية، إذ يعني بالنسبة لهم، الانفصال الدائم وفقدان فرصة البقاء على اتصال مع عائلاتهم وأصدقائهم.
هذه الفترة تسبق ما يُعرف بـ "المعمودية"، وهي الفترة التي يصبح فيها الشخص عضواً في كنيسة الآميش، وعليه يتوقع منه اتباع قواعدها. وبحسب بعض التقديرات فإن نحو 85٪ من شباب الآميش يقررون البقاء والاستقرار ضمن مجتمعاتهم، نظراً لروابط الأسرة والدين القوية.
ما ينبغي معرفته قبل زيارة مناطق الآميش الساحرة في أوهايو
الآميش ودودون للغاية، يرحبون بالزوار ولا يترددون في رَدِّ التحية والسلام، لكنهم يتضايقون من تصويرهم، إذ يعتبرون ذلك تعدِّياً على خصوصيتهم وحياتهم الخاصة، ويرغبون دائماً في تقدير واحترام خياراتهم وتفسيرهم الخاص للتدين.
بصورة عامة، هم مبدعون في الصناعات الخشبية والحرف اليدوية، ولديهم مصانع ومعارض أثاث تزخر بالتصاميم الخلّابة والاتقان، إضافة إلى أن لديهم منتجات زراعية متنوعة، حيث يمكن شراء الخضروات الموسمية الطازجة من الأسواق المحلية المنتشرة في مناطقهم، وبعض الأسواق القريبة.
تتميز مناطق الآميش بالمناظر والإطلالات الخلّابة؛ عند دخولها يشعر الزوار بأنهم دخلوا إلى عالم مأهول بالبساطة والجمال، حيث يمكن قضاء بعض الوقت في أحد الفنادق أو المنتجعات التي تتوسط منطقة التلال الساحرة هناك.